ثمّ إنّ في قراءة «الفاتحة» بعد سورة «النّاس» التي هي آخر القرآن فوائد ولطائف:
قال الإمام فخر الدين:" القرآن مشتمل على خمس سور مفتتحة بالحمد لله اثنان في النصف الأوّل وهما: «الأنعام» و «الكهف»، واثنان في النصف الثّاني:«سبأ» و «فاطر»، وواحدة مشتركة بينهما وهي «أم القرآن» تقرأ مع النصف الأوّل ومع الآخر "انتهى (١).
ومعنى قراءة «الفاتحة» مع النّصفين أنّها تقرأ مع النّصف الأوّل من أوّله، ومع النّصف الثّاني من آخره افتتاحا كشأن المعلمين الصغار، أو اختتاما كما إذا فرغ الخاتم من قراءة سورة «النّاس»، ثمّ يقرأ «أم القرآن» وهذا هو المناسب لفرضنا، ثمّ إنّ في الختم بقراءتها أوجه:
أحدها: أنّها كالتّلخيص لجميع مقاصد القرآن، فإنّه قيل: إنّ الفاتحة مشتملة على جميع مقاصد القرآن إجمالا فوضعت أولا لتكون/كالترجمة لتلك المقاصد وما بعدها إلى سورة «النّاس» كالتفصيل لذلك المجمل، فإذا فرغ التّالي من التّلاوة وختم، حسن منه أن يقرأ «الفاتحة» ليجدّد العهد بها، فيستحضر في الذهن ما أريد بها أولا من كونها مشتملة على مقاصد القرآن فيقع التصديق بذلك عن دليل وبرهان، فوضعت في أوّله تأسيسا وتأصيلا وتلاوتها في آخره تلخيص وتحصيل، وذكر معانيها في سائر القرآن شرح لها وتفصيل.
الوجه الثّاني: أنّ القرآن نعمة عظيمة على حملته، فحقيق لمن قرأه وختمه أن يحمد الله - تعالى - عليه ويشكره على ذلك بقدر جهده، ولكنّه لو عمد التّالي إلى أن يخترع لهذا الحمد ألفاظا من قبل نفسه لم يستطع أن يثني على الله بمثل ما أثنى به على نفسه، كيف ورأس الحامدين ﷺ يقول:" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثينت
(١) تفسير الرازي ٢٥/ ١٩٠، تفسير سورة سبأ، والنص بالمعنى، وانظر ١/ ١٨٠.