للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف في ﴿بِالْغَداةِ﴾ هنا وفي «الكهف» (١) فابن عامر بضم الغين وإسكان الدّال وواو بعدها مفتوحة والأشهر في ﴿بِالْغَداةِ﴾ أنّها معرّفة بالعلمية وهي علمية الجنس ك: «أسامة» في الأشخاص ولذلك منعت من الصرف، قال الفرّاء في كتاب «المعاني»: "والعرب لا تدخل الألف واللام في «الغدوة» لأنّها معرفة بغير ألف ولام" (٢)، وقد طعن أبو عبيدة القاسم بن سلام على هذه القراءة فقال: إنّما نرى ابن عامر والسّلمي قرآ تلك القراءة اتّباعا للخطّ، وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها، لأنّهم كتبوا الصّلاة والزكاة بالواو ولفظهما على تركها، وكذلك «الغداة»، على هذا وجدنا العرب، وقال الفارسي: "الوجه قراءة العامة ﴿بِالْغَداةِ﴾ لأنّها تستعمل نكرة ومعرفة باللام، فأمّا «غدوة» فمعرفة وهو علم وضع للتّعريف، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن تدخل عليه الألف واللاّم للتّعريف، كما لا يدخل على سائر الأعلام، وإن كانت قد كتبت بالواو لأنّها لا تدل على ذلك، ألا ترى إلى «الصلوة» و «الزكوة» بالواو ولا يقرآن بها، فكذلك «الغدوة»، وقال سيبويه: «غدوة» و «بكرة» جعل كلّ واحد منهما اسما للحين" (٣) انتهى.

ولا يلتفت إلى هذا الطعن وكيف يظنّ بمن تقدّم أنّهم يلحنون، والحسن البصري يقرأ بها وهو ممن يستشهد بكلامه فضلا عن قراءته، ونصر بن عاصم شيخ النّحاة أخذ هذا العلم عن أبي الأسود ينبوع الصناعة، وابن عامر لا يعرف اللحن لأنّه عربي، وقرأ على عثمان بن عفان وغيره من الصّحابة، ولكن أبا عبيد لم يعرف أنّ تنكير «غدوة» لغة ثابتة عن العرب حكاها سيبويه والخليل، قال سيبويه:

"وزعم الخليل أنّه يجوز أن تقول: أتيتك اليوم «غدوة» و «بكرة»، فجعلهما مثل:


= - فاطر: ١٩، غافر: ٥٨، الفتح: ١٧.
(١) الأنعام: ٥٢، الكهف: ٢٨، النشر ٢/ ٢٥٩، المبهج ٢/ ٥٧٢، مصطلح الإشارات: ٢٢٨، إيضاح الرموز: ٣٧٤.
(٢) معاني القرآن للفراء ٢/ ١٣٩.
(٣) الكتاب لسيبويه ٢/ ٢٩٣، الدر المصون ٦/ ٢٢٩، الحجة للفارسي ٣/ ٣١٩، ٥/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>