للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى السّماء الدنيا، ثمّ أنزل في اليوم الرّابع والعشرين إلى الأرض أوّل: ﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (١).

[وفى إنزال القرآن مفرقا وجوه من الحكمة منها]

تسهيل حفظه، وتكرير لفظه؛ لأنّه لو نزل جملة واحدة على أمّة أمّيّة لا يقرأ غالبهم ولا يكتب؛ لشقّ عليهم حفظه، وثقل لفظه كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله ردّا على الكفّار: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا/لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ﴾ (٢)، أي:

أنزلناه مفرّقا، ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾ (٣)، أي: لنقوي بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه؛ لأنّ المتلقّن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شيء، وجزءا بعد جزء، ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه، وبقوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً﴾ (٤) أي على حسب الوقائع، فقد يسّره تعالى للذّكر، وإلاّ فالطّاقة البشرية تعجز [قرّاؤها] (٥) عن حفظه وحمله، ولقد شهد بذلك قوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ (٦)، ﴿الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ (٧)، [وانظر] (٨) إلى قوله سبحانه: ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ (٩)، وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى﴾ (١٠) أي لكان هذا القرآن الذي أنزلناه إليك.


(١) العلق: ١، والنص من فتح الباري ٩/ ٥.
(٢) الفرقان: ٣٢.
(٣) الفرقان: ٣٢.
(٤) الإسراء: ١٠٦.
(٥) في جميع النسخ ما عدا الأصل [قواها].
(٦) القمر: ١٧، ٢٢، ٣٢، ٤٠.
(٧) الرحمن: ١، ٢.
(٨) ما بين المعقوفين سقط من الأصل.
(٩) الحشر: ٢١.
(١٠) الرعد: ٣١، النص بكماله من فتح الباري ٩/ ٨، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>