للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأعمش، وقرأ الباقون بسكون الغين وتخفيف الشين فيهما من «أغشى» على «أفعل» فالهمزة والتضعيف كلاهما للتّعدية أكسبا الفعل مفعولا ثانيا لأنّه في الأصل متعد لواحد فصار الفاعل مفعولا ف ﴿اللَّيْلَ﴾ فاعل معنى، و ﴿النَّهارَ﴾ مفعول لفظا ومعنى، وذلك أنّ المفعولين في هذا الباب متى صلح أن يكون كلّ منهما فاعلا ومفعولا في المعنى وجب تقديم الفاعل معنى لئلاّ يلتبس نحو: "أعطيت زيدا عمرا" فإن لم يلتبس نحو: "أعطيت زيدا درهما، وكسوت عمرا جبّة" جاز، فهذه الآية من باب "أعطيت زيدا عمرا" لأنّ كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا مغشيّا فوجب جعل «الليل» هو الفاعل المعنوي، و «النهار» هو المفعول من غير عكس.

واختلف في ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ﴾ هنا وفي «النّحل» (١)؛ فابن عامر في السّورتين برفع «والشمس» وما عطف عليها، ورفع «مسخرت» على الابتداء، والخبر جعلها مستقلّة بالإخبار بأنّها مسخّرات لنا من الله - تعالى - لمنافعها، وقرأ حفص برفع «والنجوم مسخرت» في «النّحل» لأنّ النّاصب في «النّحل» «وسخر» وهو قوله - تعالى - ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ فلو نصب ﴿وَالنُّجُومَ﴾ و ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ لصار اللفظ سخّرها مسخّرات فيلزم التّأكيد فلذلك عطفها على الأوّل، ورفعها جملة مستأنفة (٢)، وقرأ الباقون بالنّصب في الموضعين فالنّصب في هذه السّورة على عطفها على ﴿السَّماواتِ﴾، أي: وخلق الشمس وتكون ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ على هذه حالا من هذه المفاعيل، ويجوز أن تكون هذه منصوبة ب جعل مقدرا فتكون هذه المنصوبات مفعولا أوّل، و ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ مفعولا ثانيا، وأمّا موضع «النّحل» فعلى الحال المؤكدة، وهو مستفيض في كلامهم، أو على إضمار فعل قبل ﴿وَالنُّجُومَ﴾، أي: وجعل النّجوم مسخّرات.


(١) الأعراف: ٥٤، النحل: ١٢، النشر ٢/ ٢٧٠، المبهج ٢/ ٥٩٣، مصطلح الإشارات: ٢٤٨، إيضاح الرموز: ٣٩٧، الدر المصون ٥/ ٣٤٣، كنز المعاني ٣/ ١٥٩٧.
(٢) في الدر ٧/ ١٥٨: "مستقلة".

<<  <  ج: ص:  >  >>