للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خاتمة]

اعلم أنّ طلب حفظ القرآن العظيم وسرعة سرده، والاجتهاد في تحرير النّطق بلفظه، والبحث عن مخارج حروفه وصفاتها، والرّغبة في تحسين الصّوت به؛ وإن كان مطلوبا حسنا ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتمّ وأولى وهو فهم معانيه والتّفكر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده.

وقد روينا في (فضائل القرآن) لأبي عبيد القاسم بن سلاّم عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في قوله - تعالى -: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ (١) قال:" يتبعونه حق اتباعه " (٢)، وعن الشّعبي في قوله - تعالى -: ﴿فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ﴾ (٣) قال:

"أمّا أنّه كان بين أيديهم ولكنّهم نبذوا العمل به " (٤)، وقال الغزالي:" أكثر النّاس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحجب سدّلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، أوّلها: أن يكون الهمّ منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، قال: وهذا يتولى حفظه شيطان وكلّ بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله، فلا يزال يحملهم على ترديد الحروف يخيل إليهم أنّه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف، فأنّى تنكشف له المعاني، وأعظم ضحكة الشّيطان من كان مطيعا لمثل هذا التّلبيس "، ثمّ قال:" وتلاوة القرآن حقّ تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظّ اللسان تصحيح الحروف، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظّ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار، فاللسان يرتّل والعقل ينزجر والقلب يتعظ " (٥)، انتهى.


(١) البقرة: ١٢١.
(٢) فضائل القرآن لابن سلام: ١٣٠ (١٢٨).
(٣) آل عمران: ١٨٧.
(٤) فضائل القرآن لابن سلام: ١٣١ (١٣٠).
(٥) إحياء علوم الدين ١/ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>