يبين الإمام القسطلاني بنفسه سبب تأليفه لهذا الكتاب الهام بعد ذكره كتب الفن:
"وقد طالعت أكثر هذه الكتب، ورفعت عن وجه محاسنها الحجب، وهذا العلم هو أوّل علم منّ الله عليّ بتعلمه، وأسبق فن عالجت نفسي قبل بلوغ الحلم في تفهّمه، فهو كما قال بعضهم:" الصديق القديم، والنّديم الذي منادمته ألطف من مرّ النّسيم "، ولطالما حثثت نفسي أن أجمع في هذا الفن تصنيفا جامعا لشوارد فرائده، وأرتّب فيه تأليفا شاملا لزوائد فوائده، وافيا بنشر طرقه ورواياته، كافيا في إعراب وجوه قراءته؛ فيقعدني عن ذلك العلم بقدري، وتدفع يد العجز في صدري، لا سيما والسّلف قد كفونا مئونة ذلك، وقاموا بأعباء ما هنالك، فغايتنا تفهّم كلامهم، والوقوف عند مراسمهم، لكنّه لما كان التّشبه بهم مطلوبا، والتّنافس في نفائسهم محبوبا، حداني حادي فريقهم إلى سلوك طريقهم، فامتطيت نجائب المعاني، وجبت فيافي المباني، حتى حططت رحلي بحرم الفضائل، وكعبة الوسائل، وعكفت على تأليف هذا الكتاب؛ مستعينا بالقوي الوهاب، ساهرا في حنادس الظّلام، شاهرا منقطعا عن أكثر الأنام، أجيل فكري فيما دقّقه الأئمة في تصانيفهم، وأمتّع نظري فيما حقّقوه في تآليفهم، فألخّص مطوّلها، وأسهّل معضلها، وأفصّل مجملها، وأفتح مغلقها، وأقيّد مطلقها، وأحل رموزها، وألج مطالبها وكنوزها؛ فأستخرج من الرّوايات نفائس دررها، ومن وجوه الأعاريب محاسن غررها، موضّحا غامض المعاني للمعاني من مرموز (حرز الأماني)، سائلا من لقيت من الأصحاب عمّا أشكل، متفهّما منه ما عليّ أعضل، ولم أزل أجمع الشيء إلى الشيء، وأقرّب (النّشر) بالطّيّ، حتى أتاح الله لي ذلك، وقرّب عليّ فيه المسالك، فجاء بحمد الله مفردا جامعا لأشتات الفضائل، شارعا إلى مناهج الوصول للمقاصد والوسائل؛ بحيث أنّ السّالك فيه إن رام ما يتعلق بنشر