للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على نفسك " (١)، فكأنّ الحزم للحامد أن يلجا في الحمد إلى ما رضيه الله - تعالى - لنفسه من المحامد، وقد علّمه عباده فتحمده به، فتلاوته لهذه السّورة العظيمة شكرا لله - تعالى - وحمدا له على أبلغ وجه وأكمله إذ فيها الحمد على نعمة القرآن بالقرآن الذي هو كلام الله، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وأين ذلك ممّا يخترعه التّالي لنفسه.

الوجه الثّالث: ما ورد من استحباب الدعاء عند التلاوة وعند الختم للقرآن ومجالس الذكر، والفاتحة قد تضمنت صريح الدعاء وهو الدعوة العظيمة الشاملة الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وذلك قوله - تعالى - ﴿الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (٢) إلى آخره، وتضمنت الدعاء بالتعريض وذلك لما فيها من الحمد والثناء على طريق قوله (٣):

إذا اثنى عليك المرء يوما … كفاه من تعرضك الثناء

فصارت السّورة كلّها دعاء.

الوجه الرّابع: أنّ في ختم القرآن بها وقد كان افتتاحه بها محققا لمعنى قوله - تعالى - ﴿فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ (٤) على أنّ تأويله: فإذا فرغت من العبادة فاشرع فيها، وهو معنى الحال المرتحل أيضا.

وقد كان من الخاتمين قوم يطعمون الفقراء شكرا لله - تعالى - على ما أولاهم من نعمة الختم، كما حكى عن ابن عمرو أنّه لمّا ختم سورة البقرة ذبح بقرة وأطعم، ولا ريب أنّ ختم القرآن كله فيه ختم البقرة وغيرها، وقد كان الإمام أحمد بن علي


(١) أخرجه مسلم ١/ ٣٥٢ (٤٨٦)، وغيره.
(٢) الفاتحة: ٦.
(٣) قاله أمية بن الصلت يمدح بها ابن جدعان، أولها:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني … حياؤك، إنّ شيمتك الحياء
انظر: الأغاني ٨/ ٣٤١، لباب الآداب: ١٢٢، ديوان الحماسة ٢/ ٣٧٣.
(٤) الشرح: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>