للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

﴿عَلَيْهِمْ﴾ (١)، ولقد نطق القرآن بذلك في مواضع من استقرأها أطّلع على حقيقة الأمر، ولم يعلّل نفسه بالخدع (٢) " اه (٣)، وهو (٤) على طريق المعتزلة.

فإن قلت: ما الحكمة في تأخير السّابق وتقديم الظّالم؟.

أجيب: لئلا يعجب السّابق، وييأس الظّالم من رحمته؛ ولما كان الظّالم له ذلّة، والسّابق له صولة (٥)، رفع تعالى ذلّة الظّالم بقوله: ﴿لِنَفْسِهِ﴾، وكسر صولة السّابق بقوله: ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾، كأنّه يقول: "يا ظالم ارفع رأسك ظلمت؛ ولكن على نفسك، يا سابق اخفض رأسك سبقت؛ ولكن بإذن الله" (٦).

وفي قوله في بقية الآية: ﴿إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ﴾ (٧) إشارة إلى دخول الظّالم لنفسه الجنّة، و ﴿شَكُورٌ﴾ إشارة إلى السّابق، بأنّه كثير الحسنات، و ﴿دارَ الْمُقامَةِ﴾ هي الجنّة، لأنّها دار إقامة لا يرحل عنها (٨).

وقوله تعالى قبل هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ﴾ (٩) أي: يقرؤنه


(١) التوبة: ١٠٦.
(٢) والخدع: بكسر الدال الخدّاع، وبسكون الدال: تغير من حال إلى حال، انظر: المعجم الوسيط مادة خدع ١/ ٢٢٨.
(٣) الكشاف ٣/ ٦٢٢، وفيه "وليملك الظالم لنفسه"، وما أثبته هو ما في النسخ والبحر ٧/ ٣١٤.
(٤) أي الزمخشري، قال ابن المنير في الانتصاف ردّا على الزمخشري: "وقد صدرت هذه الآية بذكر المصطفين من عباد الله، ثم قسمهم إلى الظالم والمقتصد والسابق ليلزم اندراج الظالم لنفسه من الموحدين في المصطفين وإنه لمنهم، وأي نعمة أتم وأعظم من اصطفائه للتوحيد، والعقائد السالمة من البدع، فما بال المصنف يطنب في التسوية بين الموحد المصطفى، والكافر المجترئ" انتهى من هامش تفسير الزمخشري ٢/ ٦٢٢.
(٥) الصولة: السطوة في الحرب ونحوها، ويقال: هو ذو صولة، المعجم الوسيط ١/ ٥٣٩، جمهرة اللغة ٢/ ٣، لسان العرب ١١/ ٣٨٧، القاموس المحيط ٢/ ١٢٢.
(٦) لطائف الإشارات، للقشيري، ٣/ ٢٠٥، وفيه "زلة" بالزاي في الموضعين.
(٧) في (ب): [ … لغفور شكور].
(٨) البحر المحيط ٩/ ٣٤.
(٩) فاطر: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>