وَأَمَّا قَوْلُهُ: "أَنْتَ مِنِّي وَأنا مِنْك" فَقَد قَالَهَا لِغَيْرِهِ، وَقَالَهَا لِسَلْمَانَ والأشعريين.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ" … إلَخْ "هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي فَضْلِهِ، وَزَادَ فِيهِ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ أَنَّهُ أَخَذَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهرَبَا، وَفي "الصَّحِيحِ " (١) أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ إلَّا يَوْمئِذٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ رَدٌّ عَلَى النَّاصِبَةِ الْوَاقِعِينَ فِي عَلِيٍّ.
وَلَيْسَ هَذَا مِن خَصَائِصِهِ، بَل كُل مُؤْمِنٍ كَامِلُ الْإِيمَانِ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤]، وَهُم الَّذِينَ قَاتَلُوا أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَإِمَامُهُم أَبُو بَكْرٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "أَمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى"، قَالَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوك لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ .. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ قَبْلَهُ وَكَانُوا مِنْهُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَلَمْ يَكُن هَذَا مِن خَصَائِصِهِ، وَلَو كَانَ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ أَفْضَلَ مِن غَيْرِهِ لَمْ يَخْف عَلَى عَلِيٍّ وَلَحِقَهُ يَبْكِي.
وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ لَيْسَ مِن خَصَائِصِهِ.
وَقَد شَبَّهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَشَبَّهَ عُمَرَ بِنُوح وَمُوسَى- عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمَّا أَشَارَا فِي الْأَسْرَى، وَهَذَا أَعْظَمُ مِن تَشْبِيهِ عَلِيٍّ بِهَارُونَ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَا بِمَنْزِلَةِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيءِ بِالشَّيءِ لِمُشَابَهَتِهِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مَن كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَن وَالَاه … " إلَخْ، فَهَذَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِن الْأُمَّهَاتِ، إلَّا فِي التّرْمِذِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا: "مَن كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِي مَوْلَاهُ".
(١) مسلم (٢٤٠٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute