للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الأعراف: ٢٩]، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: ٣٠].

فَقَوْلُهُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨]؛ أَيْ: دِينَهُ وَإِرَادَتَهُ وَعِبَادَتَهُ، وَالْمَصْدَرُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ تَارَةً، وَإِلَى الْمَفْعُولِ أُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُهُم: مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْههُ.

وَفِي هَذَا قَوْل آخَرُ يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ: أنَّ الْوَجْهَ فِي مِثْل قَوْلِهِ: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ} [البقرة: ١١٢]، و {أَقِمْ وَجْهَكَ} [يونس: ١٠٥]، و {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: ٧٩]: هُوَ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ، كَمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤] وَفِي قَوْلِهِ: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٥٠].

قَالُوا: لَكِنَّ الْوَجْهَ إذَا وُجِّهَ: تَبِعَهُ سَائِرُ الْإِنْسَانِ، وَإِذَا أُسْلِمَ: فَقَد أُسْلِمَ سَائِرُ الْإِنْسَانِ، وَإِذَا أُقِيمَ فَقَد أُقِيمَ سَائِرُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَجِّهُ أَوَّلًا مِن الْأعْضَاء الظَّاهِرَةِ لِلْقَاصِدِ الطَّالِبِ.

لَكِنْ هَل هَذَا مِن بَابِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي تَقْلِبُ الِاسْمَ مِن الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ، أَو الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ بَاقِيَةٌ وَهُوَ مِن بَابِ الدَّلَالَةِ اللُّزُومِيَّةِ؟ (١) فِيهِ قَوْلَانِ.


(١) الْحَقِيقَة ثَلَاَثة أنوَاع:
أحدهَا: اللْغَوَيَّة؛ وهي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة.
وَهِي الأَصْل، كالأسد على الْحَيَوَان المفترس.
الثانِي: الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة، وَحدُّهَا: مَا خَصَّ عرفًا بِبَعْض مسمياته؛ يَعْنِي: أن أهل الْعرف خصوا أَشْيَاء كَثيرَة بِبَعْض مسمياتها، وإن كَانَ وَضعهَا للْجَمِيع حَقِيقَة.
وَهِي قِسْمَانِ: عَامَّة، وخاصة.
فالعامة: مَا انْتَقَلت من مسماها اللّغَوِيّ إِلَى غَيره للاستعمال الْعَام، بحَيثُ هُجر الأول، كالدابة بالنسْبَةِ إِلَى ذَات الْحَافِر، فَإِنَّ الدَّابَّة وُضعت فِى أصل اللُّغَةَ لكل مَا يدب على الأرْض، فخَصَّصها أهلُ الْعرف بذَات الْحَافِر من الْخَيل وَالبغَال وَالْحمير.
والخاصة: مَا لكل طَائِفةٍ من الْعَلمَاء من الاصطلاحات التِي تخصهم، كاصطلاح النُّحَاة، والأصوليين، وَغَيرهم على أَسمَاء خصوها بِشَيء من مصطلحاتهم؛ كالمبتدأ، وَالْخَبَر، وَالْفَا عِل، وَالْمَفْعُول.=

<<  <  ج: ص:  >  >>