للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَالرَّسُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُحَمد - صلى الله عليه وسلم -، وَالرَّسُولُ فِي الْأخْرَى جِبْرِيلُ، فَلَو أرِيدَ بِهِ أَنَّ الرَّسُولَ أَحْدَثَ عِبَارَتَهُ لَتَنَاقَضَ الْخَبَرَانِ.

فَعُلِمَ أَنَهُ أَضَافَهُ إلَيْهِ إضَافَةَ تَبْلِيغ لَا إضَافَةَ إحْدَاثٍ، وَلهَذَا قَالَ: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} وَلَمْ يَقُلْ مَلك وَلَا نَبِي، وَلَا ريبَ أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧].

وَإِن احْتَجَّ بِقَوْلِهِ {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢]، قِيلَ لَهُ: هَذ الآيَةُ حُجَّة عَلَيْك، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} عُلِمَ أَنَّ الذِّكْرَ مِنْهُ مُحْدَث وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِمُحْدَثٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وُصِفَتْ مُيِّزَ بِهَا بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَو قَالَ: مَا يَأتِينِي مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ إلا أَكْرَمْتُهُ، وَمَا آكُلُ إلَّا طَعَامًا حَلَالا وَنَحْو ذَلِكَ.

وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُحْدَثَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ الَّذِي يَقُولُهُ الجهمي، وَلَكِنَّهُ الَّذِي أُنْزِلَ جَدِيدًا، فَإِنَّ اللّهَ كَانَ يُنَزِّلُ الْقُرْآنَ شَيْئًا بَعْدَ شَيء، فَالْمُنَزَّلُ أَوَّلًا هُوَ قَدِيم بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمنَزَّلِ آخِرًا، وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ قَدِيم فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، كَمَا قَالَ: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: ٣٩]. [١٢/ ٥١٨ - ٥٢٢]

* * *

١٣٣٥ - الْمَصَاحِفُ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ لَمْ يُشَكِّلُوا حرُوفًا وَلَمْ يُنَقِّطُوهَا؛ فَإِنَّهُم كَانُوا عَربًا لَا يَلْحَنُونَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ لَمَّا نَشأَ اللَّحْنُ صَارُوا يُنَقِّطُونَ الْمَصَاحِفَ وَيُشَكِّلُونَهَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمَد، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَأجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حُكْمَ الشَّكْلِ وَالنَّقْطِ حُكْمُ الْحُرُوفِ الْمَكْتُوبَةِ، فَإِنَّ النُّقَطَ تُمَيِّزُ بَيْنَ الْحُرُوفِ، وَالشَّكْلَ يُبَيِّنُ الْإِعْرَابَ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مِن تَمَامِ الْكَلَامِ. [١٢/ ٥٧٦]

١٣٣٦ - الْمُصْحَفُ الْعَتِيقُ وَاَلَّذِي تَخَرَّقَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْقِرَاءَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>