للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْمُحْكَمُ وَالْمَنْسُوخُ، كَمَا يُقَالُ الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِهُ.

وَتَارَة يُقَابَلُ بِمَا نَسَخَهُ اللهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ. [١٣/ ٢٧٢ - ٢٧٣]

* * *

١٣٤٦ - هُوَ سبْحَانَهُ يُقْسِمُ بِأمُورٍ عَلَى أُمُورٍ، وإنَّمَا يُقْسِمُ بِنَفْسِهِ الْمُقَدسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتِهِ، أَو بِآياتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَإِقْسَامُهُ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ دَلِيل عَلَى أنَّهُ مِن عَظِيمِ آيَاتِهِ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَذْكُرُ جَوَابَ الْقَسَمِ تَارَةً وَهُوَ الْغَالِبُ وَتَارَةً يَحْذِفُهُ، كَمَا يَحْذِفُ جَوَابَ (لَوْ) كَثِيرًا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر: ٥]، وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} [الرعد: ٣١] .. {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: ٣٠].

وَمِثْل هَذَا حَذْفُهُ مِن أَحْسَنِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّك لَو رَأَيْته لَرَأَيْت هَوْلًا عَظِيما. [١٣/ ٣١٤ - ٣١٥]

١٣٤٧ - يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ


= الثانِيَةَ كانَتْ مُزيلَة لِمَا أخَافَهُمْ مِنَ الْأُولَى أَوْ مُحَولَةً لَهُ إِلَى وَجْه آخَرَ، وَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الصحَابِي لَمْ يَنْطِقْ بِلَفْظِ النسْخِ، وَإِنمَا فَهِمَهُ الراوِي مِنَ الْقصةِ فَذَكَرَهُ. تفسير المنار (٣/ ١١٧).
قلت: وقد جاء عن الصحابة القول بنسخ كثير من الآيات، وإذا علمنا أنّ مفهوم النسخ عندهم يختلف عن مفهوم النسخ عند المتأخرين: علمنا أنهم لم يقصدوا من النسخ - في الغالب الأعم: رفع الحكم أو بعضه جملة.
والفرق بينه وبين الاستثناء والتخصيص: أن الجملة الواردة التي جاء التخصيص أو الاستثناء منها لم يُرد الله تعالى قط إلزامها لها على عمومها وقتًا من الدهر كما في تحريم المشركات، فإنه لم يرد قط بذلك نكاح نساء الكتابيين بالزواج، وكذلك القول في العرايا، وأما النسخ فإننا مكلفون بالجملة الأولى على عمومها مدة ما لم يأت أمر بإبطالها أو إبطال بعضها.
يُنظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم المتوفى (٤٥٦ هـ)، المحقق: الشيخ أحمد محمد شاكر (١/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>