للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالِاعْتِكَافِ وَالْجِهَادِ وَأَحْكَامِ المناكح وَنَحْوِهَا؛ وَأَحْكَامِ الْأَمْوَالِ بِالْعَدْلِ كَالْبَيْعِ وَالْإِحْسَانِ كَالصَّدَقَةِ وَالظُّلْمِ كَالرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِن تَمَامِ الدِّينِ.

وَلهَذَا كَانَ الْخِطَابُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [النساء: ١] لِعُمُومِ الدَّعْوَةِ إلَى الأصُولِ؛ إذ لَا يُدْعَى إلَى الْفَرْعِ مَن لَا يُقِرُّ بِالْأَصْلِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَدِينَةِ وَعَزَّ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَكَانَ بِهَا أَهْل الْكِتَابِ خُوطِبَ هَؤلَاء وَهَؤُلَاءِ؛ فَهَؤُلَاءِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: ١٩]، وَهَؤُلَاءِ: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} [النساء: ١٧١]، أَو: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: ٧٢]، وَلَمْ يَنْزِلْ بِمَكَّةَ شَيء مِن هَذَا، وَلَكِنْ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ خِطَابُ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [النساء: ١] كَمَا فِي سورَةِ النّسَاءِ وَسُورَةِ الْحَجِّ وَهمَا مَدَنِيّتَانِ وَكَذَا فِي الْبَقَرَةِ.

وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِ الْحَبْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ يَشْمَلُ جِنْسَ النَّاسِ وَالدعْوَةُ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ لَا تُنَافِي الدَّعْوَةَ بِالِاسْمِ الْعَامِّ. [١٥/ ١٦٠]

١٣٧١ - اسْتِمَاعُ آياتِ اللهِ وَالتَّزَكِّي بِهَا أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ فَإِنَّهُ لَابُدَّ لِكُلّ عَبْد مِن سَمَاعِ رِسَالَةِ سَيِّده الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا رَسُولَهُ إلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ السَّمَاعُ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ، وَلَا بُد مِن التَّزَكيِّ بِفِعْلِ الْمَأمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، فَهَذَانِ لَابُدَّ مِنْهمَا.

وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ: فَهُوَ فَرْض عَلَى الْكِفَايَةِ، لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ لَفْظِه وَمَعْنَاهُ، عَالِمًا بِالْحِكْمَةِ جَمِيعِهَا، بَلِ الْمُؤمِنُونَ كُلهُم مُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ، وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِم كَمَا هُم مُخَاطَبُونَ بِالْجِهَادِ، بَل وُجُوبُ ذَلِكَ أَسْبَقُ وَأَوْكَدُ مِن وُجُوبِ الْجِهَادِ؛ فَإِنَّه أَصْلُ الْجِهَادِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يَعْرِفُوا عَلَامَ يُقَاتِلُونَ (١)، وَلهَذَا كَانَ قِيَامُ الرَّسُولِ وَالْمُؤمِنِينَ بِذَلِكَ قَبْلَ


(١) تأمل هذا الكلام الحكيم الرزين، لتعرف خطأ وضلال الذين نفروا للجهاد قبل العلم، وكيف جنوا على أنفسهم وأمتهم والجهاد أيضًا، فقاتلوا بلا علم بآداب الجهاد وشروطِه وأحكامه، فضلوا وأضلوا، وسفكوا الدماء، وزعزعوا الأمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>