وليس هذا خاصا بالقرآن، بل يشمل العلوم الأخرى؛ كالحديث والفقه والأصول، فمن المجرب أنّ الانشغال بشروح العلماء وأقوالهم تحجب طالب العلم والمعلم عن إعمال فكرِه في النظر والتأمل، الذي يؤدي به إلى روائع الاستنباطات، ودقائق الفهم، وعدم التقليد، وسيخرج بفتوحات عظيمة لم تكن تخطر على باله. (٢) قال العلامة محمد رشيد رضا -رَحِمَه اللهُ-: إِنَّ التَّعَصُّبَ لِلْمَذَاهِبِ هُوَ الَّذِي صَرَفَ كَثِيرا مِنَ الْعُلَمَاء الْأذْكِيَاءِ عَنْ إِفَادَةِ أَنْفُسِهِمْ وَأمَّتِهِمْ بِفِطْنَتِهِمْ، وَجَعَلَ كُتُبَهُمْ فِتْنَةً لِلْمُسْلِمِينَ اشْتَغَلُوا بِالْجَدَلِ فِيهَا عَنْ حَقِيقَةِ الدينِ. وقال -رَحِمَه اللهُ-: يَا لَيْتَ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَنْتَحِلْ مَذْهَبًا، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي خِلَافِ الْمَذَاهِبِ، وإذًا لَكَانَ كَشافُهُ حُجَّةً عَلَى أَصْحَابِهَا وَمَرْجِعا لَهُمْ فِي تَحْرِيرِ مَعَانِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسنَّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ؛ إذ كَانَ مِنْ أَدَقِّ عُلَمَاءِ هَذِهِ اللُّغَةِ فَهْما وَأحسَنهمْ بَيَانًا وَلَمَا فَهِمَ. تفسير المنار (٥/ ٤٣، ٩/ ١٩٤).