للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَاجِزًا عَن الْعَمَلِ الْأَفْضَلِ: إمَّا عَاجِزًا عَن أَصْلِهِ؛ كَمَن لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَسْتَطِيعُ حِفْظَهُ.

أَو عَاجِزًا عَن فِعْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مَعَ قُدْرَتهِ عَلَى فِعْلِ الْمَفْضُولِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ.

وَمِن هُنَا قَالَ مَن قَالَ: إنَّ الذّكْرَ أَفْضَلُ مِن الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِن هَؤُلَاءِ قَد يُخْبِرُ عَن حَالِهِ.

وَأَكْثَرُ السَّالِكِينَ بَل الْعَارِفِينَ مِنْهُم إنَّمَا يُخْبِرُ أَحَدُهُم عَمَّا ذَاقَهُ وَوَجَدَهُ، لَا يَذْكُرُ أَمْرًا عَامُّا لِلْخَلْقِ (١)؛ إذ الْمَعْرِفَةُ تَقْتَضِي أُمُورًا مُعَيَّنَةً جُزْئِيَّةً، وَالْعِلْمُ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا عَامًّا كُلِّيًّا؛ فَالْوَاحِدُ مِن هَؤُلَاءِ يَجِدُ فِي الذِّكْرِ مِن اجْتِمَاعِ قَلْبِهِ وَقُوَّةِ إيمَانِهِ وَانْدِفَاعِ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ، وَمَزِيدِ السَّكِينَةِ وَالنُّورِ وَالْهُدَى: مَا لَا يَجِدُهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

بَل إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَفْهَمُهُ، أَو لَا يَحْضُرُ قَلْبُهُ وَفَهْمُهُ، وَيَلْعَبُ عَلَيْهِ الْوَسْوَاسُ وَالْفِكْرُ.

كَمَا أَنَّ مِن النَّاسِ مَن يَجْتَمِعُ قَلْبُهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ مَا لَا يَجْتَمِعُ فِي الصَّلَاةِ؛ بَل يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ أَفْضَلَ يُشْرَعُ لِكُلِّ أَحَدٍ، بَل كُلُّ وَاحِدٍ يُشْرَعُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ.


(١) وهذا يحصل كثيرًا، فبعض الناس يكون رفيقًا في تعامله مع أبنائه، فينصح الناس باللين وعدم الحزم، وأخذهم باللطف، وبعضهم يكون عنيفًا معهم، فينصح الناس بالعنف والشدة، ويسوق الحجج والتجارب في ذلك.
وبعض أهل العلم والصلاح يُحبب إليه العلم فينصح غيره بالعلم ولو على حساب العمل، وربما زهّد في نوافل الطاعات، معلِّلًا ذلك بأنّ العلم نفعه متعدٍّ، وانشغال طالب العلم بالعلم أنفع له وللأمة، وبعضهم يُحبب إليه العمل، فينصح بالعمل والانشغال بالعبادات ونفع الناس، ويقول: وهل يُراد من العلم إِلَّا للعمل؟
والأمثلة على ذلك كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>