فَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ، وَكُلُّ اسْمٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الاِسْمُ الْآخَرُ، مَعَ أَنَّ كِلَاهُمَا حَقٌّ؛ بِمَنْزِلَةِ تَسْمِيَةِ اللّهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَتَسْمِيَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَسْمَائِهِ، وَتَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِأَسْمَائِهِ.
وَمِثَالُ هَذَا التَّفْسِيرِ: كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِير {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات: ١١٨]: فَهَذَا يَقُولُ: هُوَ الْإِسْلَامُ، وَهَذَا يَقُولُ: هُوَ الْقُرْآنُ؛ أَي: اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، وَهَذَا يَقُولُ: السنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ، وَهَذَا يَقُولُ: طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ، وَهَذَا يَقُولُ: طَاعَةُ اللّهِ وَرَسُولِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّرَاطَ يُوصَفُ بِهَذ الصِّفَاتِ كُلِّهَا، وَيُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا، وَلَكنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم دَلَّ الْمُخَاطَبَ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ الصِّرَاطُ وَيَنْتَفِعُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ النَّعْتِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ كُلّ مِنْهُم مَن تَفْسِيرِ الاِسْمِ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ أَو أَعْيَانِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لِلْمُخَاطَبِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ وَالْإِحَاطَةِ، كَمَا لَو سَأَلَ أَعْجَمِيٌّ عَن مَعْنَى لَفْظِ "الْخُبْزِ"، فَأُريَ رَغِيفًا، وَقِيلَ: هَذَا هُوَ، فَذَاكَ مِثَالٌ لِلْخُبْزِ، وَإِشَارَة إلَى جِنْسِهِ، لَا إلَى ذَلِكَ الرَّغِيفِ خَاصَّةً.
وَمِن هَذَا مَا جَاءَ عَنْهُم فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: ٣٢]، فَالْقَوْلُ الْجَامِعُ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ هُوَ الْمُفَرِّطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَو فِعْلِ مَحْظُورٍ، وَالْمُقْتَصِدُ: الْقَائِمُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: بِمَنْزِلَةِ الْمُقَرَّبِ الَّذِي يَتَقَرَّبُ إلَى اللهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ حَتَّى يُحِبَّهُ الْحَقُّ.
ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنْهُم يَذْكُرُ نَوْعًا مِن هَذَا، فَإذَا قَالَ الْقَائِلُ: "الظَّالِمُ" الْمُؤَخِّرُ لِلصَّلَاةِ عَن وَقْتِهَا، وَ"الْمُقْتَصِدُ" الْمُصَلِّي لَهَا فِي وَقْتِهَا، وَ "السَّابِقُ" الْمُصَلِّي لَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، حَيْثُ يَكُونُ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ.
وَقَالَ آخَرُ: "الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ" هُوَ الْبَخِيلُ الَّذِي لَا يَصِلُ رَحِمَهُ وَلَا يُؤَدِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute