الصَّحِيحُ يَدْفَعُ ذَلِكَ؛ بَل هَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا مُسْتَنَدُة النَّقْلُ، وَفِيمَا قَد يُعْرَفُ بِأُمُورٍ أُخْرَى غَيْرِ النَّقْلِ.
فَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الدِّينِ قَد نَصَبَ اللهُ الأدِلَّةَ عَلَى بَيَانِ مَا فِيهَا مِن صَحِيحٍ وَغَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُهُ كَالْمَنْقُولِ فِي الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمِ؛ وَلهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إسْنَاد: التَّفْسِيرُ وَالْمَلَاحِمُ وَالْمَغَازِي، وَيُرْوَى: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ؛ أَيْ: إسْنَادٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ.
والْمَرَاسِيلُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهَا وَخَلَتْ عَن الْمُوَاطَأَةِ قَصْدًا، أَو الاِتِّفَاقِ بِغَيْرِ قَصْدٍ: كَانَت صَحِيحَةً قَطْعًا، فَإِنَّ النَّقْلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ صِدْقًا مُطَابِقًا لِلْخَبَرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَذِبًا تَعَمَّدَ صَاحِبُهُ الْكَذِبَ، أَو أَخْطَأَ فِيهِ؛ فَمَتَى سَلِمَ مِن الْكَذِبِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَانَ صِدْقًا بِلَا ريبٍ.
فَإِذَا كَانَ الْحَدِيث جَاءَ مِن جِهَتَيْنِ أَو جِهَاتٍ، وَقَد عُلِمَ أَنَّ الْمُخْبِرَيْنِ لَمْ يَتَوَاطَآ عَلَى اخْتِلَافِهِ، وَعُلِمَ أَنَّ مِثْل ذَلِكَ لَا تَقَعُ الْمُوَافَقَةُ فِيهِ اتِّفَاقًا بِلَا قَصْدٍ: عُلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ.
وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُعْلَمُ صِدْقُ عَامَّةِ مَا تَتَعَدَّدُ جِهَاتُهُ الْمخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِن الْمَنْقُولَاتِ، وَإِن لَمْ يَكُن أَحَدُهَا كَافِيًا؛ إمَّا لِإِرْسَالِهِ، وَإِمَّا لِضَعْفِ نَاقِلِهِ.
وَلهَذَا ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ غَزْوَةُ بَدْرٍ وَأَنَّهَا قَبْلَ أُحُدٍ، بَل يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ حَمْزَةَ وَعَلِيًّا وَعُبَيْدَةَ بَرَزُوا إلَى عتبة وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ، وَأَنَّ عَلِيًّا قَتَلَ الْوَلِيدَ، وَأَنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ قِرْنَهُ، ثُمَّ يُشَكُّ فِي قَرْنِهِ هَل هُوَ عتبة أَو شَيْبَةُ.
وَهَذَا الْأَصْلُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ، فَإِنَّهُ أَصْل نَافِعٌ فِي الْجَزْمِ بِكَثِيرٍ مِن الْمَنْقُولَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَمَا يُنْقَلُ مِن أَقْوَالِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
والْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ إذَا رُوِيَ مَثَلًا مِن وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِن غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute