النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبِ بِهِ.
فالْأَوَّلُونَ: رَاعَوْا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ مِن الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ.
والْآخَرُونَ: رَاعَوْا مُجَرَّدَ اللَّفْظِ وَمَا يَجُوزُ عِنْدَهُم أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَرَبِيُّ، مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ وَلسِيَاقِ الْكَلَامِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِثْل هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا رَأْيًا ثُمَّ حَمَلُوا أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُم سَلَفٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ وَلَا مِن أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِن هَؤُلَاءِ مَن يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ فَصِيحًا، وَيَدُسُّ الْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ؛ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى إنَّهُ يُرَوِّجُ عَلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ مِمَن لَا يَعْتَقِدُ الْبَاطِلَ مِن تَفَاسِيرِهِمْ الْبَاطِلَةِ مَا شَاءَ اللّهُ.
وتَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَسْلَمُ مِن الْبِدْعَةِ مِن تَفْسِيرِ الزمخشري، وَلَو ذَكرَ كَلَامَ السَّلَفِ الْمَوْجُودَ فِي التَّفَاسِيرِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُم عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِن "تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطبري" وهُوَ مِن أَجَلِّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا، ثُمَّ إنَّهُ يَدَعُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَن السَّلَفِ لَا يَحْكِيهِ بِحَال، وَيَذْكُرُ مَا يَزْعمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِم طَائِفَةً مِن أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُم بِطُرُقٍ مِن جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى السُّنَّةِ مِن الْمُعْتَزِلَةِ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ إذَا كَانَ لَهُم فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَوْلٌ، وَجَاءَ قَوْمٌ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِقَوْل آخَرَ لِأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوهُ، وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِن مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ: صَارُوا مُشَارِكِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ فِي مِثْل هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute