للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي إخْبَارِ وَاحِدٍ بِأَنَّ قَوْمًا قَد حَارَبُوا بِالرِّدَّةِ أَو نَقْضِ الْعَهْدِ.

وَفيهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ دَلِيلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَقَدِ اسْتَبَانَ الْأَمْرُ وَزَالَ الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ (١)؛ فَتَجُوزُ إصَابَةُ الْقَوْمِ وَعُقُوبَتُهُم بِخَبَرِ الْفَاسِقِ مَعَ قَرِينَةٍ إذَا تَبَيَّنَ بِهِمَا الْأمُورُ، فَكَيْفَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَعَ دَلَالَةٍ؟.


= وقال: والمقصود أن الشارع لم يقف الحكم في حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين، لا في الدماء ولا في الأموال ولا في الفروج ولا في الحدود، بل قد حد الخلفاء الراشدون والصحابة -رضي الله عنهم- في الزنى بالحبَل، وفي الخمر بالرائحة والقيء، وكذلك إذا وجد المسروق عند السارق كان أولى بالحد من ظهور الحبَل والرائحة في الخمر، وكلُّ ما يمكن أنْ يُقال في ظهور المسروق أمكن أن يقال في الحبَل والرائحة بل أولى، فإنَّ الشبهة التي تعرض في الحبل من الإكراه ووطء الشبهة وفي الرائحة لا يعرض مثلها في ظهور العين المسروقة، والخلفاء الراشدون والصحابة -رضي الله عنه- لم يلتفتوا إلى هذه الشبهة التي تجيز غلط الشاهد ووهمه وكذبه أظهر منها بكثير، فلو عطل الحد بها لكان تعطيله بالشبهة التي تمكن في شهادة الشاهدين أولى، فهذا محض الفقه والاعتبار ومصالح العباد.
والمقصود: أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لم يَرُدّ خبر العدل قط لا في رواية ولا في شهادة، بل قَبِل خبر العدل الواحد في كل موضع أخبر به كما قبل شهادته لأبي قتادة بالقتيل، وقَبِل شهادة خزيمة وحده، وقَبِل شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان، وقَبِل شهادة الأمة السوداء وحدها على الرضاعة، وقَبِل خبر تميم وحده وهو خبر عن أمر حسي شاهده ورآه فقبله ورواه عنه ولا فرق بينه وبين الشهادة.
قال: وسرُّ المسألة أنه لا يلزم من الأمر بالتعدد في جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد في جانب الحكم والثبوت، فالخبر الصادق لا تأتي الشريعة بردّه أبدًا. يُنظر: أعلام الموقعين (١/ ٨٦ - ١٠٥)، الطرق الحكمية (١/ ١٦٧).
وقال في الإنصاف (١٢/ ٨١): قال الْقَاضِي: النِّكَاحُ وَحُقُوقُهُ من الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّجْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ رِوَايَة وَاحِدَة، وَالْوَصِيَّةُ وَالْكِتَابَةُ وَنحْوُهُمَا يُخرَّجُ على رِوَايَتَيْنِ.
وَعَنْهُ: يقبل في ذلك كُلِّهِ رَجُلٌ وَامْرَأتَانِ.
وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فيه رَجُلٌ وَيمِينٌ.
ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.
واختارها الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. اهـ.
(١) مثاله: أنْ يدعي رجلٌ فاسقٌ على آخر بأنه سرق، وقد وثّق السرقة بالفيديو.

<<  <  ج: ص:  >  >>