الْحَرْبِ دِيَتُهُ بَل تَجِبُ الْكَفَّارَة فَقَطْ، وَسَوَاءٌ عُرِفَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَقُتِلَ خَطُا أَو ظُنَّ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ.
وقد قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ جريج وَمُقَاتِل وَابْنِ زيدٍ؛ يَعْنِي: قَوْلَهُ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء: ١٥٩]، وَبَعْضُهُم قَالَ: إنَّهَا فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَإِن أَرَادَ الْعُمُومَ فَهُوَ كَالثَّانِي، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ مَن أَدْخَلَ فِيهَا (١) ابْنَ سَلَامٍ وَأَمْثَالَهُ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِن الْمُؤمِنِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِن كُلِّ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِمْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩٩)} [آل عمران: ١٩٩].
أَمَّا أوَّلًا: فَإِنَّ ابْنَ سَلَامٍ أَسْلَمَ فِي أَوَّلِ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَقَالَ: فَلَمَّا رَأَيْت وَجْهَهُ عَرَفْت أنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَسُورَةُ آلِ عِمْرَانَ إنَّمَا نَزَلَ ذِكْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهَا لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَو عَشْرٍ.
وَثَانِيًا: أَنَّ ابْنَ سَلَام وَأَمْثَالَهُ هُوَ وَاحِدٌ مِن جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِن أَفْضَلِهِمْ وَكَذَلِكَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ مِن أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَيُشْبِهُ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّة لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أهْلَ الْكتَابِ فَقَالَ: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: ١١٠] .. وَهَذِهِ الْآيَةُ قِيلَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: إن قَوْلَهُ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون} هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ.
وَهَذَا -وَاللهُ أَعْلَمُ- مِن نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَا بَقُوا مِن أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَن هُوَ مِنْهُم فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُومِنُونَ الْمُهَاجِرُونَ الْمُجَاهِدُونَ؛ كَمُؤمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، هُوَ مِن
(١) أي: في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute