للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حَكَمَ بِمَعْنَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِيَيْنِ، بَعْدَ أَنْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، لَمَّا عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا (١)، وَهُوَ إخْبَارُ الْمُشْتَرِينَ أَنَّهُم اشْتَرَوْا "الْجَامَ" مِنْهُمَا، بَعْدَ قَوْلِهِمَا: مَا رَأَيْنَاهُ، فَحلَّفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- اثْنَيْنِ مِن الْمُدَّعِينَ الْأَولَيَانِ، وَأَخَذَ "الْجَامَ" مِن الْمُشْتَرِي، وَسُلِّمَ إلَى الْمُدَّعِي، وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَ إقْرَارِهِمَا بِأَنَّهُمَا بَاعًا الْجَامَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُن يَحْتَاجُ إلَى يَمِينِ الْمُدَّعِيينَ لَو اعْتَرَفَا بِأَنَّهُ جَامُ الْمُوصِي، وَأَنَّهُمَا غَصَبَاهُ وَبَاعَاهُ، بَل بَقُوا عَلَى إنْكَارِ قَبْضِهِ مَعَ بَيْعِهِ، أَو ادَّعَوْا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ.

فَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُتَّهَمَ بِخِيَانَةٍ وَنَحْوِهَا -كَمَا اتُّهمَ هَؤُلَاءِ- إذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ وَخِيَانتهُ كَانَ ذَلِكَ لَوْثًا (٢) يُوجِبُ رُجْحَانَ جَانِبِ الْمُدَّعِي؛ فَيَحْلِفُ وَيأْخُذُ كَمَا قُلْنَا فِي الدِّمَاءِ سَوَاءٌ.


= السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَامًا مِن فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِن ذَهَبٍ، "فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-" ثُمَّ وُجِدَ الجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِن تَمِيمِ وَعَدِيِّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِن أَوْليَائِهِ، فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَق مِن شَهَادَتِهِمَا، وإِنَّ الجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذ الآيَةُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}.
وتميم وعدي كانا نصرانيين عندما حدثت القصة المذكورة في الحديث، وتميم أسلم بعد ذلك -رضي الله عنه-، وأما عدي فلم يسلم.
قوله: (جامًا)؛ أي: كأسًا.
قوله: (مخوصًا)؛ أي: منقوشًا فيه خطوط دقيقة طويلة كالخوص وهو ورق النخل.
قوله: (أوليائه)؛ أي: من أولياء السهمي.
والرجلان هما عمرو بن العاص والآخر قيل هو المطلب بن أبي وداعة -رضي الله عنهما-.
(١) وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابنُ جَرِيرٍ كَوْنَهُمَا شَاهِدَيْنَ، قَالَ: لِأنَّا لَا نَعْلَمُ حُكْمًا يَحْلِفُ فِيهِ الشَّاهِدُ. وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَهُوَ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ بنَفْسِهِ، لَا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ جَارِيًا عَلَى قِيَاسِ جَمِيع الْأحْكَامِ، عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِشَهَادَةٍ خَاصَّةٍ فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ، وَقَدِ اغْتُفِرَ فِيهِ مِنَ الْأمورِ مَا لَم يُغْتَفَرْ فِي غَيْرِهِ، فَإِذا قَامَتْ قَرَائِنُ الرِّيبَةِ حَلِفَ هَذا الشَّاهِدُ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ. تفسير ابن كثير (٣/ ٢١٧).
(٢) اللوث: قرينَة تقوي جَانب الْمُدَّعِي، وتغلب على الظَّن صِدْقَه، مَأْخُوذ من اللوث وَهُوَ الْقُوَّة. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن اللوث لا يختص بالعداوة، بل يتناول كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى.
واختار أن اللوث يثبت بشهادة النساء والصبيان والفسقة والعدل الواحد ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>