الثاني: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَلْقِ الْأَفْعَالِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ خَرَقَ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ، فَصَارَتْ رُؤُوسُ الْمُشْرِكِينَ تَطِيرُ قَبْلَ وُصُولِ السِّلَاحِ إلَيْهَا بِالْإِشَارَةِ، وَصَارَتْ الْجَرِيدَةُ تَصِيرُ سَيْفًا يُقْتَلُ بِهِ.
وَكَذَلِكَ رَمْيَةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصَابَتْ مَن لَمْ يَكُن فِي قُدْرَتهِ أَنْ يُصِيبَهُ.
وَهَذَا أَصَحُّ، وَبِهِ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْي وَالْإِثْبَاتِ {وَمَا رَمَيْتَ}؛ أَيْ: مَا أَصَبْت {إِذْ رَمَيْتَ}؛ إذ طَرَحْت، {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}: أَصَابَ.
وَهَكَذَا كُلُّ مَا فَعَلَهُ اللهُ مِن الْأَفْعَالِ الْخَارِجَةِ عَن الْقُدْرَةِ الْمعْتَادَةِ بِسَبَبٍ ضَعِيفٍ؛ كَإِنْبَاعِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِن خَوَارِقِ الْعَادَاتِ أَو الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَن قُدْرَةِ الْفَاعِلِ. [١٥/ ٣٩ - ٤٠]
١٤٩٤ - قَوْلُهُ تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣]، لَمْ يُرِدْ بِهِ مُجَرَّدَ إسْمَاعِ الصَّوْتِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ هَذَا السَّمَاعَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى الْمَدْعُوِّينَ إلَّا بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَحْدَهُ لَا يَنْفَعُ؛ فَإِنَّهُ قَد حَصَلَ لِجَمِيع الْكُفَّارِ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ وَكَفَرُوا بِهِ بخلاف إسْمَاعِ الْفِقْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ اللهُ لِمَن فِيهِ خَيْرٌ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَن يُرِد اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" (١) وَهَذِهِ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مَن لَمْ يَحْصُلْ لَهُ السَّمَاعُ الَّذِي يَفْقَهُ مَعَهُ الْقَوْلَ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ خَيْرًا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا، وَأَنَّ مَن عَلِمَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا أَو أَرَادَ بِهِ خَيْرًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَهُ ويُفَقِّهَهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣] .. دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ مَن سَمِعَ وَفَقِهَ يَكونُ فِيهِ خَيْرٌ؛ بَل قَد يَفْقَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فَلَا
(١) البخاري (٧٣١٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute