فَالْبَيِّنَةُ: الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَالشَّاهِدُ الَّذِي يَتْلُوهُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ وَمَن اتَّبَعَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ عَلَى بَيّنَةٍ مِن رَبِّهِ، وَمُتَّبِعِيهِ عَلَى بَينةٍ مِن رَبِّهِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} وَالضمِيرُ فِي (مِنْهُ) عَائِدٌ إلَى اللهِ تَعَالَى؛ أَيْ: وَيَتْلُو هَذَا الَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن ربِّهِ شَاهِد مِن اللهِ.
ويتْلُوهُ: مَعْنَاهُ يَتَّبِعهُ، كَمَا قَالَ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: ١٢١]؛ أَيْ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، وَقَالَ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢)} [الشمس: ٢]؛ أَيْ: تَبِعَهَا.
فَهَذَا الشَّاهِدُ يَتْبَعِ الَّذِي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ فَيُصَدِّقُهُ ويُزَكِّيهِ ويُؤِّيدُهُ وَيُثْبِتُهُ، كَمَا قَالَ: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل: ١٠٢].
وَقَد سَمَّى اللهُ الْقُرْآنَ سُلْطَانًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَإِذَا كَانَ السُّلْطَانُ الْمُنَزَّلُ مِن اللهِ يَتْبَعُ هَذَا الْمُؤْمِنَ: كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ قُوَّتَهُ وَتَسَلُّطَهُ عِلْمًا وَعَمَلًا.
وَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إيمَانًا.
فَهُم كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْإِيمَانَ ثُمَّ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود: ١٧]؛ يَعْنِي: هُدَى الْإِيمَانِ {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}؛ أَيْ: مِن اللهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ شَاهِدٌ مِن اللهِ، يُوَافِقُ الْإِيمَانَ ويتْبَعُهُ.
وَقَالَ: {وَيَتْلُوهُ} لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ الْإِيمَانُ وَزِيَادَتُهُ (١).
(١) فيكون المعنى: يَتْلُو الشَّاهدُ على منْ كانَ على بَيِّنَةٍ مِن رَبِّه؛ أَيْ: يَتْبَعُهُ، شاهدًا لهُ بِما هُو عليْه مِن البَيِّنةِ. =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute