للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ تَعَالَى: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: ٤٢]، قِيلَ: أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ رَبِّهِ لَمَّا قَالَ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك} [يوسف: ٤٢].

وَقِيلَ: بَل الشَّيْطَانُ أنْسَى الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ذِكْرَ رَبِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، قَالَ تَعَالَى: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكن هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ رَبِّهِ، بَل كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ رَبَّهُ هُوَ الْفَتَى لَا يُوسُفُ: قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)} [يوسف: ٤٥]، وَقَوْلُهُ: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: ٤٥] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَد نَسِيَ فَادَّكَرَ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)} [يوسف: ٣٥]، وَلُبْثُهُ فِي السِّجْنِ كَانَ كَرَامَةً مِن اللهِ فِي حَقِّهِ؛ لِيَتِمَّ بِذَلِكَ صَبْرُهُ وَتَقْوَاهُ، فَإِنَّهُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى نالَ مَا نالَ؛ وَلهَذَا قَالَ: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٩٠]، وَلَو لَمْ يَصْبِرْ ويتَّقِ بَل أَطَاعَهُم فِيمَا طَلَبُوا مِنْهُ جَزَعًا مِن السِّجْنِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى، وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.

ولَمَّا كَانَ الزنى بِالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ لَهُ عِلَّتَانِ، كُل مِنْهُمَا تَسْتَقِلُّ بِالتَّحْرِيمِ، مِثْل لَحْمِ الْخِنْزِيرِ الْمَيِّتِ: عَلَّلَ يُوسُفُ ذَلِكَ بِحَق الزَّوْجِ، وَإِن كَانَ كُلٌّ مِن الْأَمْرَيْنِ (١) مَانِعًا لَهُ.

وَكَانَ فِي تَعْلِيلِهِ بِحَقِّ الزَّوْجِ فَوَائِدُ:

مِنْهَا: أَنَّ هَذَا مَانِعٌ تَعْرِفُهُ الْمَرْأَةُ وَتَعْذُرُهُ بِهِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فَإنَّهَا لَا تَعْرِفُ عُقُوبَةَ اللهِ فِي ذَلِكَ.


(١) وهو حق الزوج وحق الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>