للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا سُؤَالُهُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ: فَقَد قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِعُمَرِ: "لَا تَنْسَنَا مِن دُعَائِك" (١)، وَقَالَ: "إذَا سَمِعْتُم الْمُؤَذِّنَ: فَقُولُوا مِثْل مَا يَقُولُ ثُمَّ صلُّوا عَلَي فَإِنَّهُ مَن صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللهَ لي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْد مِن عِبَادِ اللهِ وَأرْجُو أَنْ أكُونَ أنَا ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَمَن سَأَلَ اللهَ لي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٢).

وَقَد يُقَالُ فِي هَذَا: هُوَ طَلَبَ مِن الْأمَّةِ الدُّعَاءَ لَهُ لِأَنَّهُم إذَا دَعَوْا لَهُ حَصَلَ لَهُم مِن الْأَجْرِ أَكْثَرُ مِمَّا لَو كَانَ الدُّعَاءُ لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا قَالَ لِلَّذِي قَالَ: أَجْعَل صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: "إذًا يَكْفِيكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِن أَمْرِ دُنْيَاك وَآخِرَتِكَ" (٣).

فَطَلَبُهُ مِنْهُم الدُّعَاءَ لَهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ كَسَائِرِ أمْرِهِ إيَّاهُم بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَذَلِكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ؛ فَإِنَّهُ قَد صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِن رَجُلٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ بِدَعْوَة إلا وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكًا، كُلَّمَا دَعَا دَعْوَةً قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَك مِثْلُهُ" (٤).

وَقَوْلُ السَّائِلِ: أَجْعَلُ لَك مِن صَلَاتِي؟ يَعْنِي مِن دُعَائِي؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الدّعَاءُ قَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣].

فَيَكُونُ مَقْصُودُ السَّائِلِ: إنَّ لِي دُعَاءً أدْعُو بِهِ أَسْتَجْلِبُ بِهِ الْخَيْرَ وَأَسْتَدْفِعُ بِهِ الشَّرَّ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِن الدُّعَاءِ؟ قَالَ: "مَا شِئْت" فَلَمَّا انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: أَجْعَلُ لَك صَلَاتي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك".

وَهَذَا غَايَةُ مَا يَدْعُو بِهِ الْإِنْسَانُ مِن جَلْبِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ؛ فَإِنَّ


(١) رواه أحمد (١٩٥).
(٢) رواه مسلم (٣٨٤).
(٣) روى الترمذي (٢٤٥٧) وحسَّنه عَنِ أُبَي بْنِ كَعْب -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِن صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ، قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ؛ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ .. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ".
(٤) صحيح مسلم (٢٧٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>