فَعِبَادُ اللهِ هُم الْمُقَرَّبُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي تِلْكَ السُّورَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِن جِنْسِ الْعَمَلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وَأَوْليَاءُ اللهِ تَعَالَى عَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَد ذَكَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَمَلَ الْقِسْمَيْنِ فِي حَدِيثِ الْأَوْليَاءِ فَقَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَليًّا فَقَد آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلنِي لَأعْطِيَنُّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" (١)، فَالْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ هُم الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيْهِ بالْفَرَائِضِ، يَفْعَلُونَ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِم ويتْرُكُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُكَلِّفُونَ أَنْفُسَهُم بِالْمَنْدُوبَاتِ؛ وَلَا الْكَفِّ عَن فُضولِ الْمُبَاحَاتِ.
وَأَمَّا السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ فَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ، فَفَعَلُوا الْوَاجِبَاتِ والمستحبات وَتَرَكُوا الْمحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، فَلَمَّا تَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِن مَحْبُوبَاتِهِمْ أَحَبَّهم الرَّبُّ حُبًّا تَامًّا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"؛ يَعْنِي: الْحُبَّ الْمُطْلَقَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة: ٦، ٧]؛ أَي: أَنْعَمَ عَلَيْهِم الْإِنْعَامَ الْمُطْلَقَ التَّامَّ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)} [النساء: ٦٩]؛ فَهَؤُلَاءِ الْمُقَرَّبُونَ صَارَتْ الْمُبَاحَاتُ فِي حَقِّهِمْ طَاعَاتٍ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إلَى اللهِ عزوجل، فَكَانَت أَعْمَالُهُم كُلُّهَا عِبَادَاتٍ للهِ، فَشَرِبُوا صِرْفًا كَمَا عَمِلُوا لَهُ صِرْفا، وَالْمُقْتَصِدُونَ كَانَ فِي أَعْمَالِهِمْ مَا فَعَلُوهُ لِنُفُوسِهِمْ فَلَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ وَلَا
(١) رواه البخاري (٦٥٠٢)، وقد أثبت لفظه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute