للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَطَحْوِ اللهِ إيَّاهَا، وَنَفْسٍ وَتَسْوِيَةِ اللهِ إيَّاهَا، لَا بُدَّ مِن ذِكْرِ الْفَاعِلِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا يَصْلُحُ أنْ يُقَدَّرَ الْمَصْدَرُ هُنَا مُضَافًا إلَى الْفِعْلِ فَقَطْ فَيُقَالُ: "وَبِنَائِهَا".

وَالْقَوْلُ الثَّاني: أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِي بَنَاهَا، وَاَلَّذِي طَحَاهَا.

و"مَا" فِيهَا عُمومٌ وَإِجْمَالٌ، يَصْلُحُ لِمَا لَا يُعْلَمُ، وَلصِفَاتِ مَن يَعْلَمُ (١)؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} [الكافرون: ٢، ٣] وَقَولِهِ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣].

وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَأَصْلُة هُوَ أَكْمَلُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا، فَإِنَّ الْقَسَمَ بِالْفَاعِلِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْسَامَ بِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْإِقْسَامِ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ.

فَأَقْسَمَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَآثَارِهَا وَأَفْعَالِهَا.

ثُمَّ أَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَبِالنَّفْسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا فِعْلًا، فَذَكَرَ فَاعِلَهَا فَقَالَ: {وَمَا بَنَاهَا (٥)} {وَمَا طَحَاهَا (٦)} {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}، فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُقْسِمَ بِفِعْلِ النَّفْسِ؛ لِأَنَهَا تَفْعَلُ الْبِرَّ وَالْفُجُورَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُقْسِمُ إلَّا بِمَا هُوَ مُعَظَّمٌ مِن مَخْلُوقَاتِهِ.

وَأَمَّا السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ فَلَيْسَ لَهُمَا فِعْلٌ ظَاهِرٌ يُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ حَتَّى يُقْسِمَ بِهَا إلا مَا يَظْهَرُ مِن الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

وَقَد قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)} [الشمس: ٩، ١٠] إنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى اللهِ؛ أَيْ: "قَد أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا اللهُ وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا الله" وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، بَعِيدٌ عَن نَهْجِ الْبَيَانِ الَّذِي أُلِفَ عَلَيْهِ الْقُرْآن. [١٦/ ٢٢٦ - ٢٣١]

١٦٠١ - قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)} وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)} [الأعلى: ١٤] قَالَ قتادة وَابْنُ عُيَيْنَة وَغَيْرُهُمَا: قَد أَفْلَحَ مَن زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللهِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ.


(١) يعني: أنَّ "ما" تدخل على العاقل وعلى غير العاقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>