للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يَكُونُ عَلَى مُجَرَّدِ الْهَرَمِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُل أحَدٍ؛ بَل عَلَى الْأمُورِ الْغَائِبَةِ الَّتِي تُؤَكَّدُ بِالْأقْسَامِ، فَإنَّ إقْسَامَ اللهِ هُوَ عَلَى أَنْبَاءِ الْغَيْبِ.

فَتَضَمَّنَت السُّورَةُ بَيَانَ مَا بُعِثَ بِهِ هَؤُلَاءِ الرُّسُلُ الَّذِينَ أَقْسَمَ بأمَاكِنِهِمْ، وَالْأِقْسَامُ بِمَوَاضِعِ مِحَنِهِمْ تَعْظِيمٌ لَهُمْ، فَإن مَوْضِعَ الْإِنْسَانِ إذَا عَظُمَ لِأجْلِهِ كَانَ هُوَ أحَقَّ بِالتَّعْظِيمِ، وَلهَذَا يُقَالُ فِي الْمُكَاتبَاتِ: إلَى الْمَجْلِسِ وَالْمَقَرِّ وَنَحْو ذَلِكَ السَّامِي وَالْعَالِي.

وَفي قَوْلِهِ: {يُكَذِّبُكَ} [التين: ٧] قَوْلَانِ. قيلَ:

هُوَ خِطَابٌ لِلإنْسَانِ.

وَالثَّاني: أنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ وَهَذَا أَظْهَرُ.

قَوْلَهُ: {يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)} [التين: ٧]؛ أيْ: يَجْعَلُك كَاذِبًا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِن لُغَةِ الْعَرَبِ، فَإنَّ اسْتِعْمَالَ "كَذَّبَ غَيْرَهُ؛ أيْ: نَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ وَجَعَلَهُ كَاذِبًا" مَشْهُورٌ (١).

وَعِبَارَةُ آخَرِينَ: فَمَا يَجْعَلُك كَذابًا.

وغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي لغَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُول: "كَذَّبَك؛ أيْ: جَعَلَك مُكَذَّبًا" بَل "كَذَّبَك": "جَعَلَك كَذَّابًا".

وَلهَذَا كَانَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأوَّلِ.

وَالصَّوَابُ: مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْأخْفَشُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطبري وَغَيْرُهُ مِن الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَن الْفَرَّاءِ فَقَالَ: إَّنهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَالْمَعْنَى: فَمَن يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِك بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بَعْدَ مَا تبَيَّنَ لَهُ أَنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ عَلَى مَا وَصفْنَا، قَالَهُ الْفَرَّاءُ.


(١) والمعنى: فلا يحق لأحدٍ أن ينسبك إلى الكذب بعد هذا البيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>