وأما الثاني (١): فيحتاج إلى بلوغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه الأقوال الثلاثة:
أحدها: قول أبي الخطاب وأبي محمد أنه حجة مطلقًا؛ لأن ذكره ذلك في معرض الحجة يدل على أنه أراد ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسكت عنه ليكون دليلًا.
والثاني: ليس بحجة كالوجه الذي ذكره القاضي، وهو قول الحنفية.
وأما إذا كانت العادة تقتضي أنه بلغه فذاك دليل على البلوغ.
وأصل هذا أن الأصل قول اللّه تعالى وفعله، وتركه القول وتركه الفعل، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وتركه القول وتركه العمل.
وإن كانت قد جرت عادة عامة الأصوليين أنهم لا يذكرون من جهة الله إلا قوله الذي هو كتابه، ومن جهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد يقولون بما يقول أصحابنا: قوله وفعله وإقراره.
وقد يقولون:"وإمساكه" وهذا أجود؛ فإن إقراره: تركُ النهي؛ فإنه يدل على العفو عن تحريم.
وأما الإمساك: فإنه يعم ترك الأمر أيضًا الذي يفيد العفو عن الإيجاب؛ كترك الأمر بصدقة خضروات المدينة؛ فإن ترك الأمر مع الحاجة إلى البيان يدل على عدم الإيجاب؛ كترك النهي، وأما ترك الفعل فإنه يدل على عدم الاستحباب وعدم الإيجاب كثيرًا؛ فإن ترك الفعل مع قيام المقتضي له يدل على عدم كونه مشروعًا كترك النهي مع الحاجة إلى البيان.
وأما "فعل الله" كعذابه للمنذَرين فإنه دليل على تحريم ما فعلوه ووجوب ما أُمروا به.
وكما استدل أصحابنا وغيرهم من السلف بفعل الله تعالى ورجم قوم لوط على رجمهم.