للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَمِن ذَلِكَ اسْمُ الْمَاءِ مُطْلَق فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَسِّمْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى قِسْمَيْنِ: طَهُورٌ وَغَيْرُ طَهُورٍ، فَهَذَا التَّقْسِيِمُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَمِن ذَلِكَ اسْمُ الْحَيْضِ، عَلَّقَ اللهُ بِهِ أَحْكَامًا مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَا أَقَفُهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَلَا الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأمَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ، وَاللُّغَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَدْرٍ وَقَدْرٍ، فَمَن قَدَّرَ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَقَد خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.

وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُق صَدَقَة؛ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ أَوَاقٍ صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَة" (١) وَقَالَ: "لَا شَيْءَ فِي الرِّقَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مَائَتَيْ دِرْهَمٍ لا، وَقَالَ فِي السَّارِقِ: "يُقْطَعُ إِذَا سَرَقَ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ " (٢) وَقَالَ: "تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ" (٣)، وَالْأُوقِيَّةُ فِي لُغَتِهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلدِّرْهَمِ وَلَا لِلدِّينَارِ حَدًّا، وَلَا ضَرَبَ هُوَ دِرْهَمًا، وَلَا كَانَتِ الدَّرَاهِمُ تُضْرَبُ فِي أَرْضِهِ؛ بَل تُجْلَبُ مَضْرُوبَةً مِن ضَرْبِ الْكُفَّارِ (٤)، وَفِيهَا كِبَارٌ وَصِغَارٌ، وَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا تَارَةً عَدَدًا وَتَارَةً وَزْنًا، كَمَا قَالَ: "زِنْ وَأَرْجِحْ فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُم قَضَاءً"، وَكَانَ هُنَاكَ وَزَّان يَزِنُ بِالْأَجْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُم إذَا وَزَنُوهَا فَلَا بُدَّ لَهُم مِن صَنْجَةٍ يَعْرِفُونَ بِهَا مِقْدَارَ الدَّرَاهِمِ، لَكِنَّ هَذَا لَمْ يَحُدَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -.


= وَأكْثَرُ مَا يُوجَدُ فِي الْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي كَثِيرٌ فِي الْأصُولِ الْمَدَنِيَّةِ؛ لِأنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَقْيِيدَاتٌ لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ إِطْلَاقُهُ، أَو إِنْشَاءُ أَحْكَامٍ وَارِدَاتٍ عَلَى أَسْبَابٍ جُزْئِيَّة". اهـ.
تهذيب كتاب الموافقات، للشاطبي، للمؤلف (٣١٣).
(١) البخاري (١٤٤٧)، ومسلم (٩٧٩).
(٢) حسَّنه الألباني في الإرواء.
(٣) البخاري (٦٧٨٩)، ومسلم (١٦٨٤).
(٤) ومن المعلوم أنّ الدراهم التي تُجلب من الكفار تُوضع عليها صورهم، ولم يتحرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابُه منها، فهذا يدل على جواز الصلاة بها وهي في الجيب، ولا تمتنع الملائكة من دخول البيت التي فيها دراهم فيها صور، وذلك لاحتمالين أو أحدهما:
الأول: أنها من باب الضرورات.
ثانيًا: أنها غالبًا ما تكون مقطوعة، فتُرسم صورة الرأس فقط، أو مع الصدر، وهذه لا تقوم الحياة بها، فتكون كالتي لا روح فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>