وَكَذَلِكَ الْخَرَاجُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّرَة بِالشَّرْع، وَأَمْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذٍ - رضي الله عنه -: أَنْ يَأْخُذَ مِن كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَو عِدْلَهُ معافريًّا (١): قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ شَرْعًا عَامًّا لِكُلِّ مَن تُؤخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَأَمَّا الدِّيَةُ فَفِي الْعَمْدِ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى رِضَى الْخَصْمَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَوَجَبَتْ عَيْنًا بِالشَّرْعِ فَلَا يُمْكِنُ الرّجُوعُ فِيهَا إلَى تَرَاضِيهِمْ؛ بَل قَد يُقَالُ: هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ تَقْدِيرًا عَامًّا لِلأُمَّةِ كَتَقْدِيرِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَقَد تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَقْوَالِ النَّاسِ فِي جِنْسِهَا وَقَدْرِهَا، وَهَذَا أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْآثَارُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا جَعَلَهَا مِائَةً لِأَقْوَامٍ كَانَت أَمْوَالُهُم الْإِبِلَ؛ وَلهَذَا جَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ ذَهَبًا، وَعَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ فِضَّةً، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ شَاءً، وَعَلَى أَهْلِ الثيابِ ثِيَابًا، وَبِذَلِكَ مَضَتْ سِيرَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. [١٩/ ٢٣٥ - ٢٥٩]
١٨٦٣ - لَفْظُ "الْأَمْرِ" إذَا أُطْلِقَ: يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ، وَإِذَا قُيِّدَ بِالنَّهْي: كَانَ النَّهْيُ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ؛ فَإِذَا قَالَ تَعَالَى عَن الْمَلَائِكَةِ: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: ٦] دَخَلَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَهَاهُم عَن شَيْءٍ اجْتَنبوهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} [النحل: ٥٠] فَقَد قِيلَ: لَا يَتَعَدَّوْنَ مَا أُمِرُوا بِهِ. [٧/ ١٧٤]
١٨٦٤ - إِذَا تَعَارَضَ عمومان أَحَدُهُمَا مَحْفُوظٌ وَالْاَخَرُ مَخْصُوصٌ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَحْفُوظِ. [٢٣/ ٢٩١]
١٨٦٥ - التَّرْكُ الرَّاتِبُ: سُنَّةٌ، كَمَا أَنَّ الْفِعْلَ الرَّاتِبَ: سُنَّةٌ، بِخِلَافِ مَا كَانَ تَرْكُهُ لِعَدَمِ مُقْتَضٍ، أَو فَوَاتِ شَرْطٍ، أَو وُجُودِ مَانِعٍ، وَحَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الْمُقْتَضَيَاتِ وَالشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ مَا دَلَّتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى فِعْلِهِ حِينَئِذٍ؛ كَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، وَجَمْعِ النَّاسِ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَتَعَلمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَسْمَاءِ النَّقَلَةِ لِلْعِلْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدِّينِ، بِحَيْثُ لَا
(١) المِعافِري: هي ثياب يمنية منسوبة إلى قبيلة مَعافِر ببلاد اليمن. ينظر: النهاية، لابن الأثير، مادة: (برد).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute