للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: مراد أحمد أني أستعمل النصوص كلها ولا أقيس على أحد النصين قياسًا يعارض النص الآخر كما يفعل من ذكره حيث قاسوا على أحد النصين، ثم يثبتون الاستحسان إما بالنص أو غيره، والقياس عندهم من جنس العلة الصحيحة، فينقضون العلة التي يدَّعون صحتها بمجمل أو قياس معارض.

وهذا من أحمد يبين أنه يوجب طرد العلة الصحيحة، وأن انتقاضها بمساويها من مخالف يوجب فسادها؛ ولهذا قال: لا أقيس على أحد النصين قياسًا ينقضه النص الآخر، فإن ذلك يدل على فساد القياس. وهو يستعمل مثل هذا في مواضع مثل حديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا" (١) مع حديث عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم" (٢). والناس في هذا على ثلاثة أقوال:

منهم: من سوَّى بين الهدي والأضحية في المنع ويقول: إذا أرسل المحرم هديًا لم يحل حتى ينحر كما يروى عن ابن عباس وغيره.

ومنهم: من سوَّى بينهما في الإذن ويقول: بل المضحي لا يمنع عن شيء كما لا يمنع المهدي؛ فيقيسون على أحد النصين ما يعارض الآخر (٣).


(١) رواه مسلم (١٩٧٧).
(٢) رواه البخاري (١٧٠٢)، ومسلم (١٣٢١).
(٣) ثم إن الحنفية يفرقون بينهما من جهة النص استحسانًا، فهذا هو الفرق بينهم وبين أئمة الحديث، فعلماء الحديث يفرقون ويعملون بالنصوص كلها، والحنفية يقيسون، ثم يمنعون العمل بالقياس استحسانًا، لوجود النص.
وقد أنكر شيخ الإسلام وتلميذه أن يكون في الشريعة حكمٌ على خلاف القياس.
قال ابن القيِّم: فصلٌ: فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاس وَأنَّ مَا يُظَنُّ مُخَالَفَتُهُ لِلْقِيَاسِ فَأَحَدُ الْأمْرَيْنِ لَازِمٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ: إمَّا أنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ فَاسِدًا، أَو يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ لَمْ يَثْبُتْ بِالنَّصِّ كَوْنُهُ مِن الشَّرْع.
وَسَألْتُ شَيْخَنَا -قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ- عَمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِن الْفُقَهَاءِ مِن قَوْلهِمْ: "هَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ" لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَو قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَو بَعْضِهِمْ، وَرُبَّمَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِمْ: طَهَارَةُ الْمَاءِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، =

<<  <  ج: ص:  >  >>