مجيء النص بخلاف تلك العلة في بعض الصور دليل على أنها ليست علة تامة قطعًا؛ فإن العلة التامة لا تقبل الانتقاض.
وإن كان مورد الاستحسان هو أيضًا معنى ظنه مناسبًا أو مشابهًا فإنه محتاج حينئذٍ إلى أن يثبت ذلك بالأدلة الدالة على تأثير ذلك الوصف، فلا يكون قد ترك القياس إلا لقياس أقوى منه لاختصاص صورة الاستحسان بما يوجب الفرق بينها وبين غيرها، فلا يكون لنا حينئذٍ استحسانًا يخرج عن نص أو قياس.
وهذا هو الذي أنكره الشافعي وأحمد وغيرهما من الاستحسان.
وما قال به فإنما هو: عدول عن قياس لاختصاص تلك الصورة بما يوجب الفرق.
وحينئذٍ فلا يكون الاستحسان الصحيح عدولًا عن قياس صحيح، والقياس الصحيح لا يجوز العدول عنه بحال.
وهذا هو الصواب كما بسطناه في مصنف مفرد، وبيّنّا فيه أنه ليس من الشرع شيء بخلاف القياس الصحيح أصلًا.
وكلامهم في هذه المسألة يقتضي أن ما قيل فيه: إنه خالف القياس من صور الاستحسان فلا بد أن يكون قياسه فاسدًا، أو أن يكون تخصيصه بالاستحسان فاسدًا، إذا لم يكن هناك فرق مؤثر.
وهذا هو الصواب في هذا الباب.
وحقيقة هذا كله: أنه هل يثبت الحكم على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر؟
فمن يقول بالاستحسان من غير فارق مؤثر وتخصيص العلة من غير فارق مؤثر ويمنع القياس على المخصوص: يثبت أحكامًا على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر، وهذا هو الاستحسان الذي أنكره الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما.