للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَحْكَامُ الَّتِي يُقَالُ: إنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ نَوْعَانِ: نَؤعٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ فتَنَازَعٌ فِيهِ.

فَمَا لَا نِزَاعَ فِي حُكْمِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ وينْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ مِثْل هَذَا هَل يُقَاسُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.

وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَقَالُوا: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى شُرُوطِ الْقِيَاسِ فَمَا عُلِمَتْ عِلَّتُهُ ألْحَقْنَا بِهِ مَا شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ.

وَأَمَّا الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَمِثْلُ مَا يَأْتِي حَدِيث بِخِلَافِ أَمْرٍ فَيَقُولُ الْقَائِلُونَ: هَذَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، أَو بِخِلَافِ قِيَاسِ الْأُصُولِ، وَهَذَا لَهُ أَمْثِلَةٌ مِن أَشْهَرِهَا الْمُصَرَّاةُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُصِرُّوا الإِبِلَ وَلَا الْغَنَمَ، فَمَن ابْتَاعَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكهَا وَإِن سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِن تَمْرٍ" (١) وَهوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَقَالَ قَائِلُونَ: هَذَا يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ.

فَقَالَ الْمُتَّبِعُونَ لِلْحَدِيثِ: بَل مَا ذَكَرْتُمُوهُ خَطَأٌ، وَالْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ، وَلَو خَالَفَهَا لَكَانَ هُوَ أَصْلًا، كَمَا أَنَّ غَيْرَهُ أَصْلٌ، فَلَا تُضْرَبُ الْأُصُولُ بَعْضُهَا بِبَعْض؛ بَل يَجِبُ اتّبِاعُهَا كُلُّهَا فَإِنَّهَا كُلُّهَا مِن عِنْدِ اللّهِ.

أَمَّا قَوْلُهُم: رَدٌّ بِلَا عَيْبٍ وَلَا فَوَاتِ صِفَةٍ: فَلَيْسَ فِي الْأُصُولِ مَا يُوجِبُ انْحِصَارَ الرَّدِّ فِي هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ؛ بَل التَّدْلِيسُ نَوْعٌ ثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" فَأَوَّلًا: حَدِيثُ الْمصَرَّاةِ أَصَحّ مِنْهُ بِاتّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مَعَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْخَرَاجَ مَا يَحْدُثُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَلَفْظُ الْخَرَاجِ اسْمٌ لِلْغَلَّةِ؛ مِثْل كَسْبِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا اللَّبَنُ وَنَحْوُهُ فَمُلْحَقٌ بِذَلِكَ،


(١) البخاري (٢١٥٠)، ومسلم (١٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>