فَفِي "الْجُمْلَةِ" مَتَى حَصَلَ مَا يَظُنُّ مَعَهُ أَنَ أَحَدَ الأمْرَيْنِ أَحَبّ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ كَانَ هَذَا تَرْجِيحًا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ.
وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا كَوْنَ الْإِلْهَامِ طَرِيقًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَخْطَئُوا، كَمَا أَخْطَأَ الَّذِينَ جَعَلُوهُ طَرِيقًا شَرْعِيًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَلَكِنْ إذَا اجْتَهَدَ السَّالِكُ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا تَرْجِيحًا وَأُلْهِمَ حِينَئِذٍ رُجْحَانَ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ مَعَ حُسْنِ قَصْدِهِ وَعِمَارَتِهِ بِالتَّقْوَى فَإِلْهَامُ مِثْل هَذَا دَلِيلٌ فِي حَقهِ؛ قَد يَكُونُ أَقْوَى مِن كَثِيرٍ مِن الْأَقْيِسَةِ الضَّعِيفَةِ، وَالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالظَوَاهِرِ الضَّعِيفَةِ وَالِاسْتِصْحَابات الضَّعِيفَةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا كَثِيرٌ مِن الْخَائِضِينَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ.
وَأَيْضًا: فَإِذَا كَانَت الْأُمُورُ الْكَوْنِيَّةُ قَد تَنْكَشِفُ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَقِينًا أَو ظَنًّا، فَالْأمُورُ الدِّينيَّةُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّهُ إلَى كَشْفِهَا أَحْوَجُ.
لَكِنَّ هَذَا فِي الْغَالِبِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَشْفًا بِدَلِيل، وَقَد يَكُونُ بِدَلِيل يَنْقَدِحُ فِي قَلْبِ الْمُؤمِنِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَهَذَا أَحَدُ مَا فُسِّرَ بِهِ مَعْنَى "الِاسْتِحْسَانِ".
وَقَد قَالَ مَن طَعَنَ فِي ذَلِكَ -كَأَبِي حَامِدٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ-: مَا لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ فَهُوَ هَوَسٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُل أَحَدٍ يُمْكنُهُ إبَانَةَ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِقَلْبِهِ. [١٠/ ٤٧٢ - ٤٧٧]
٢٠٠١ - الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ مِن دَلِيل شَرْعِيٍّ، فَلَا يَجُوزُ تَكَافُؤُ الْأَدِلَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَكِنْ قَد تَتَكَافَأُ عِنْدَ النَّاظِرِ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَرْجِيحِ لَهُ. [١٠/ ٤٧٧]
٢٠٠٢ - الْمُجْتَهِدُ إذَا أدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالصَّلَاةِ إلَيْهَا؛ كَالْمُجْتَهِدِ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى قَوْلٍ فَعَمِلَ بِمُوجِبِهِ، كِلَاهُمَا مُطِيعٌ للهِ، وَهُوَ مُصِيبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُطِيعٌ للهِ، وَلَهُ أَجْرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُصِيبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute