للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالقاضي في هذا الوقت وإن لم يكن قد سعى في طلب الأحاديث وانتِقَاء طرقها وعرف من لغة الناطق بالشريعة - صلى الله عليه وسلم - ما لا يعوزه معه معرفة ما يحتاج إليه فيه، وغير ذلك من شروط الاجتهاد؛ فإن ذلك قد فُرغ [له] (١) منه، ودَأَب فيه سواه، وانتهى الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم، وانحصر الحق في أقاويلهم (٢)، وتدونت العلوم وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق.

وعلى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم متوخيًا مواطن الاتفاق ما أمكنه: كان آخذًا بالحزم، عاملًا بالأَولى، وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف توخي ما عليه الأكثر منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد منهم: فإنه قد أخذ بالحزم والأحوط والأولى مع جواز أن يعمل بقول الواحد.

إلا أنني أكره له أن يكون ذلك من حيث أنه قد قرأ مذهب واحد منهم أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم، أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء خاصة يقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب.

وبمقتضى هذا: فإن ولايات الحكام في وقتنا هذا ولايات صحيحة، وإنهم قد سدوا من ثغر الإسلام ما سدُّه فرض كفاية.

ومتى أهملنا هذا القول ولم نذكره ومشينا على طريق التغافل التي يمشي فيها من يمشي من الفقهاء: أنه لا يصح أن يكون أحد قاضيًا حتى يكون من أهل الاجتهاد، ثم يذكر في شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام: فإن هذا كالإحالة وكالتناقض، وكأنه تعطيل للأحكام وسد لباب الحكم وألا ينفذ لأحد حق، ولا يكاتب به، ولا تقام بينة، ولا يثبت لأحد ملك، إلى غير ذلك من القواعد الشرعية، فكان هذا الأصل غير صحيح، وبَانَ أن الحكام


(١) هكذا في الأصل، ولعلها مقحمة.
(٢) في الأعم الأغلب، لا على سبيل الحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>