للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عَصِيرَ الْعِنَبِ خَاصَّةً.

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَن حَرَّمَ كُلَّ مُسْكِرٍ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.

وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ: أَنَّ الْخَمْرَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ تَنَاوَلَتْ كُلَّ مُسْكِرٍ، فَصَارَ تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ بِالنَّصِّ الْعَامِّ وَالْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ لَا بِالْقِيَاسِ وَحْدَهُ.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَيْسِرِ هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يَتَنَاوَلُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، وَيتَنَاوَلُ بُيُوعَ الْغَرَرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ مَيْسِرٌ، إذ الْقِمَارُ مَعْنَاهُ: أَنْ يُؤْخَذَ مَالُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ عَلَى مُخَاطَرَةٍ: هَل يَحْصُلُ لَهُ عِوَضُهُ أَو لَا يَحْصُلُ؟ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْآبِقَ وَالْبَعِيرَ الشَّارِدَ وَحَبَلَ الْحَبَلَةِ وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا قَد يَحْصُلُ لَهُ وَقَد لَا يَحْصُلُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَفْظُ الْمَيْسِرِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَمَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِم" عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَن بَيْعِ الْغَرَرِ يَتَنَاوَلُ كُل مَا فِيهِ مُخَاطَرَةٌ؛ كَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢]، و {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ يَمِينٍ مِن أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَن قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ مِن أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا كَفَّارَةٌ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

وَمِنْهُم مَن قَالَ: لَا يَتَنَاوَلُ النَّصُّ إلَّا الْحَلِفَ بِاسْمِ اللهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا تَنْعَقِدُ وَلَا شَيْءَ فِيهَا.

وَلَا ريبَ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. [١٩/ ٢٨٠ - ٢٨٥]

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>