"صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" أَنَّهُ قَالَ: "إنِّي وَاللهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ" (١)، وَهُوَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: "لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ" إفْرَادَ اللهِ بِذلِكَ قَدَرًا وَكَوْنًا، فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ يُشَارِكُونَهُ فِي هَذَا، فَلَا يُعْطِي أَحَدًا وَلَا يَمْنَعُ إلَّا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إفْرَادَ اللهِ بِذَلِكَ شَرْعًا وَدِينًا؛ أَيْ: لَا أُعْطِي إلَّا مَن أُمِرْتُ بِإِعْطَائِهِ، وَلَا أَمْنَعُ إلَّا مَن أُمِرْتُ بِمَنْعِهِ، فَأَنَا مُطِيعٌ للهِ فِي إعْطَائِي وَمَنْعِي، فَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ وَالْفَيءَ وَالْغَنَائِمَ كَمَا يُقَسِّمُ الْمَوَارِيثَ بَيْنَ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ. وَلهَذَا كَانَ الْمَالُ حَيْثُ أُضِيفَ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَجِبُ أَنْ يُصْرَفَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّسُولِ، كَمَا ظَنَّهُ طَائِفَةٌ مِن الْفُقَهَاءِ، وَلَا الْمُرَادُ بِهِ كَوْنَهُ مَمْلُوكًا للهِ خَلْقًا وَقَدَرًا؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأمْوَالِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: ١].
وَقَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ [الأنفال: ٤١].
وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] إلَى قَوْلِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الْآيَةَ [الحشر: ٧].
فَذَكَرَ فِي الْفَيءِ مَا ذَكَرَ فِي الْخُمُسِ، فَظَنَّ طَائِفَةٌ مِن الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الرَّسُولِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ النَّاسُ أَمْلَاكَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ كَانَت مِلْكًا لِلرَّسُولِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْفَيءَ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ كَانَ مِلْكًا لِلرَّسُولِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الرَّسُولَ إنَّمَا كَانَ يَسْتَحِقُّ مِن الْخُمُسِ خُمُسَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ هَؤلَاءِ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَسْتَحِقُّ مِن خُمُسِ الْفَيءِ خُمُسَهُ. وَهَذَا غَلَطٌ. [١٠/ ٢٧٩ - ٢٨٨]
(١) رواه البخاري (٣١١٧)، ومسلم (٢١٣٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute