للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَاللهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا بالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ وهِدايةً لَهُمْ (١)، يَأْمُرُ كُلَّ إنْسَانٍ بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكونَ نَاصِحًا لِلْمُسْلِمِينَ، يَقْصِدُ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ.

وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مِن النَّاسِ مَن يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْعِلْمِ أَفْضَلَ لَهُ، وَمِنْهُم مَن يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْجِهَادِ أَفْضَلَ، وَمِنْهُم مَن يَكونُ تَطَوُّعُهُ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ -كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ- أَفْضَلَ لَهُ.

وَالْأَفْضَلُ الْمُطْلَقُ: مَا كَانَ أَشْبَهَ بِحَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَاطِنًا وَظَاهِرًا. [١٠/ ٤٢٨ - ٤٢٩]

٢١٥٧ - قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" (٢) فَإِنَّ الْمُبَاضَعَةَ مَأْمُورٌ


= ومن يُلائمه العلم يرى أنه الأفضل لجميع الناس، ومن تُلائمه العبادة وقيام الليل يرى أن هذا هو الأفضل.
قال ابن القيِّم رحمه الله - في كلامه عن أفضل العبادة وأنفعها وأحقها بالإيثار والتخصيص -: الصنف الرابع: قالوا: إن أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في الدعاء، والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس.
والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم دون الهرب منهم؛ فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه.
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد.
وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبده بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت، فمدار تعبده عليها. فهو لا يزال متثقلًا في منازل العبودية، كلما رُفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل لها حتى تلوح له منزلة أخرى. فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم. مدارج السالكين (٢/ ٣٧٠).
(١) في الأصل: (وَهَدْيًا لَهُمْ)، والمثبت من الفتاوى الكبرى (٢/ ١٦٣).
(٢) رواه مسلم (١٠٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>