الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] .. وَقَوْلِهِ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)} [ص: ٣٠] وَقَوْلِهِ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١].
وَهَذِهِ الْعُبُودِيَّةُ قَد يَخْلُو الْإِنْسَانُ مِنْهَا تَارَةً، وَأَمَّا الْأُولَى فَوَصْفٌ لَازِمٌ إذَا أُرِيدَ بِهَا جَرَيَانُ الْقَدَرِ عَلَيْهِ وَتَصْرِيفُ الْخَالِقِ لَهُ قَالَ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)} [آل عمران: ٨٣].
وَعَامَّةُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِسْلَامِ: اسْتِسْلَامُهُم لَهُ بِالْخُضُوعِ وَالذُّلِ، لَا مُجَرَّدَ تَصْرِيفِ الرَّبِّ لَهُمْ. [١٤/ ٢٩ - ٣٠]
٢١٧٢ - إِنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا خُلِقَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، فَصَلَاحُهُ وَكَمَالُهُ وَلَذَّتُهُ وَفَرَحُهُ وَسُرُورُهُ فِي أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ ويُنِيبَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَسْألَتِهِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ. [١٤/ ٣٢]
٢١٧٣ - الْعَبْدُ مضْطَرٌّ دَائِمًا إلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى مَقْصُودِ هَذَا الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا نَجَاةَ مِن الْعَذَابِ وَلَا وُصُولَ إلَى السَّعَادَةِ إلَّا بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ، فَمَن فَاتَهُ فَهُوَ إمَّا مِن الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَإِمَّا مِن الضَّالِّينَ.
وَأَمَّا سُؤَالُ مَن يَقُولُ: فَقَد هَدَاهُم فَلَا حَاجَةَ بِهِم إلَى السُّؤَالِ، وَجَوَابُ مَن أَجَابَهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَوَامُهَا: كَلَامُ مَن لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْأَسْبَابِ وَمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ؛ فَإِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أَنْ يَفْعَلَ الْعَبْدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَا أُمِرَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِن عِلْمٍ وَعَمَلٍ، وَلَا يَفْعَلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَهَذَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى أَنْ يَعْلَمَ وَيَعْمَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَإِلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ إرَادَةٌ جَازِمَةٌ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكَرَاهَةٌ جَازِمَةٌ لِتَرْكِ الْمَحْظُورِ، فَهَذَا الْعِلْمُ الْمُفَصَّلُ وَالْإِرَادَةُ الْمُفَصَّلَةُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَحْصُلَ لِلْعَبْدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ بَل كُلُّ وَقْتٍ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ اللهُ فِي قَلْبِهِ مِن الْعُلُومِ وَالْإِرَادَاتِ مَا يَهْتَدِي بِهِ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute