هَذَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ: فَمِنَ الْوَاجِبَاتِ فِي الْعِبَادَةِ مَا لَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِتَرْكِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَى تَارِكِهِ؛ بَل يُجْبَرُ الْمَتْرُوكُ؛ كَالْوَاجِبَاتِ فِي الْحَجِّ الَّتِي لَيْسَتْ أَرْكَانًا، مِثْل رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَنْ يُحْرِمَ مِن غَيْرِ الْمِيقَاتِ وَنَحْو ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ -كَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ- فِيهَا وَاجِبٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عِنْدَهُمْ: كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَكَمَا يَقُولُ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.
لَكِنْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَقُولَانِ: مَا تَرَكَهُ مِن هَذَا سَهْوًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَمْدًا فِي الْمَشْهُورِ مِن مَذْهَبَيْهِمَا، لَكِنْ أَصْحَابُ مَالِكٍ يُسَمُّوْنَ هَذَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْوَاجِبِ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَقُولُ: مَن تَرَكَ الْوَاجِبَ الَّذِي لَيْسَ بِفَرْض عَمْدًا أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: لَا نَعْهَدُ فِي الْعِبَادَةِ وَاجِبًا فِيمَا يَتْرُكُهُ الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِن وُجُوبِ الْبَدَلِ لِلْإِعَادَةِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَن تَرَكَ وَاجِبًا فِي الْحَجِّ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَمْ يَجْبُرْهُ بِالدَّمِ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ، وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ.
فَهَكَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ: أَنَّ مَن تَرَكَ وَاجِبًا مِن وَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ الَّذِي لَا يُنَاقِضُ أُصُولَ الْإِيمَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَ إيمَانَهُ إمَّا بِالتَّوْبَةِ، وَإِمَّا بِالْحَسَنَاتِ الْمُكَفِّرَةِ.
فَالْكَبَائِرُ يَتُوبُ مِنْهَا، وَالصَّغَائِرُ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْبَطْ إيمَانُهُ جُمْلَةً.
وَأَصْلُهُم أَنَّ الْإِيمَانَ يَتَبَعَّضُ، فَيَذْهَبُ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ. [١٨/ ٢٦٩ - ١٧٠]
٢١٧٨ - أَفْضَلُ الْأَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ أَرْضٌ يَكُونُ فِيهَا أَطْوَعَ للهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَتَفَاضَلُ بِالْكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِمَا يَحْصُلُ فِي الْقُلُوبِ حَالَ الْعَمَلِ. [١٨/ ٢٨٢ - ٢٨٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute