للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُوجِبِينَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ؛ بَلِ الْأَدِلَّةُ الرَّاجِحَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لَكِنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُتَوَجِّةٌ ظَاهِرٌ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ، مِن مَسِّ النِّسَاءِ لِشَهْوَة، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنَ الْحِجَامَةِ وَالْقَيءِ وَنَحْوِهِمَا.

وَكَذَلِكَ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ ذَنْبٌ، ويُشْرَعُ لِكلِّ مَن أَذْنَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.

وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ: فَفِيهِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ عَنِ

النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَدْ صَحَّحَ بَعْضَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَقَوْلُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَظْهَرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد (١). [٢٠/ ٥٢٤ - ٥٢٧]

٢٢٤٤ - تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْوُضوءِ مِن خُرُوجِ الدَّمِ بِالْفِصَادِ وَالْحِجَامَةِ وَالْجَرْحِ وَالرُّعَافِ وَفِي الْقَيْءِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَقَد نُقِلَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِن ذَلِكَ، وَعَن كَثِيرٍ مِن الصَّحَابَةِ، لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِن ذَلِكَ؛ بَل كَانَ أَصْحَابُهُ يَخْرُجُونَ فِي الْمَغَازِي فَيُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤونَ؛ وَلهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْوُضُوءَ مِن ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ


= الْعِلْمِ بِأنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَزَالُونَ يَحْتَجِمُونَ ويتَقَيَّئُونَ ويُجْرَحُونَ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ قطعَ عِرْق بَعْضِ أَصْحَابِهِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ وَهُوَ الْفِصَادُ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ النَّاسُ لَا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يَلْمِسُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَبِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ ذَلِكَ، وَالْقُرْآنُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَل الْمُرَادُ بِالْمُلَامَسَةِ الْجِمَاعُ.
وَأَمْرُهُ بالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ، إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا إذَا حَرَّكَ الشَّهْوَةَ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمَسَ النِّسَاءَ فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَتُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَفَكَّرَ فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَتُهُ فَانْتَشَرَ، وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَّ الْأَمْرَدَ أَوْ غَيْرَهُ فَانْتَشَرَ، فَالتَّوَضُّؤُ عِنْدَ تَحَرُّكِ الشَّهْوَةِ مِنْ جِنْسِ التَّوَضُّؤِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا فِي السُّنَنِ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ الْغَضَبَ مِن الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مِن النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ"، وَكَذَلِكَ الشَّهْوَةُ الْغَالِبَةُ هِيَ مِن الشَّيْطَانِ وَالنَّارِ، وَالْوُضُوءُ يُطْفِئُهَا، فَهُوَ يُطْفِئُ حَرَارَةَ الْغَضَبِ. اهـ. (٢٥/ ٢٣٨ - ٢٣٩).
(١) جاء في الاختيارات (٢٧)، والفتاوى الكبرى (٢/ ٣٠٦): الأحداث اللازمة كدم الاستحاضة وسلس البول لا تنقض الوضوء ما لم يوجد المعتاد وهو مذهب مالك.
فهذا يُخالف ما جاء في المجموع، ولعل للشيخ قولين في المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>