للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ أَحَدًا لَا سُئِلَ وَلَا سأَلَ النَّاسُ: هَل رَأَيْتُمْ رُؤْوَيا؟ أَو هَل مَكَّنَ أَحَدُكُمْ مَقْعَدَتَهُ؟ أَو هَل كَانَ أَحَدُكُمْ مُسْتَنِدًا؟ وَهَل سَقَطَ شَيْءٌ مِن أَعْضَائِهِ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَلَو كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لَسَأَلَهُمْ.

وَقَد عُلِمَ أَنَّهُ فِي مِثْل هَذَا الِانْتِظَارِ بِاللَّيْلِ -مَعَ كَثْرَةِ الْجَمْعِ- يَقَعُ هَذَا كُلُّهُ.

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُنْتَظِرِينَ لِلصَّلَاةِ كَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ الْجُمُعَةَ إذَا نَامَ أَيَّ نَوْمٍ كَانَ: لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ؛ فَإِنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِنَاقِضِ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ الْحَدَثُ، فَإِذَا نَامَ النَّوْمَ الْمُعْتَادَ الَّذِي يَخْتَارُهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ -كَنَوْمِ اللَّيْلِ وَالْقَائِلَةِ- فَهَذَا يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحُ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ لَا يَدْرِي إذَا خَرَجَتْ، فَلَمَّا كَانَت الْحِكْمَةُ خَفِيَّةً لَا نَعْلَمُ بِهَا: قَامَ دَليلُهَا مَقَامَهَا.

وَهَذَا هُوَ النَّوْمُ الَّذِي يَحْصُل هَذَا فِيهِ فِي الْعَادَةِ.

وَأَمَّا النَّوْمُ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ: هَل حَصَلَ مَعَهُ رِيحٌ أَمْ لَا: فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ ثَابِتَةٌ بِيَقِين فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ.

وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا الِاغْتِسَالُ، وَأَنَّهُ إذَا اغْتَسَلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ، وَالْمُغْتَسِلُ مِن الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.

قَالَ اللهُ عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] .. ذَكَرَ الْمُسَافِرَ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَلَمْ يَذْكُر الْحَاضِرَ، فَإِنَّ عَدَمَهُ فِي الْحَضَرِ نَادِرٌ.

وَقَوْلُهُ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ذَكَرَ أَعْظَمَ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَهُوَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَأَغْلَظَ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهُوَ مُلَامَسَةُ النِّسَاءِ، وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا أَو مُسَافِرًا لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَنْ يَتيمَّمَ.

قَوْله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] الْمُرَادُ بِهِ: الْجِمَاعُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وَغَيْرُهُ مِن الْعَرَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْآيَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>