قَرَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنْت أَنَّ أَصْلَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ، وَأَنَّهُ أَشَدُّ رُسُوخًا فِي النُّفُوسِ مِن مَبْدَأِ الْعِلْمِ الرِّيَاضِيِّ؛ كَقَوْلِنَا: إنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الاِثْنَيْنِ، وَمَبْدَأِ الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ؛ كَقَوْلِنَا: إنَّ الْجِسْمَ لَا يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَارِفَ أَسْمَاءٌ قَد تُعْرِضُ عَنْهَا أَكْثَرُ الْفِطَرِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ فَمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُ فِطْرَةٌ. [٢/ ١٥ - ١٦]
٢٣٤ - إنَّ اللّهَ -سُبْحَانَهُ- لَمَّا كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ الَّذِي خَلَقَ الْكَائِنَاتِ، وَالْآخِرَ الَّذِي إلَيْهِ تَصِيرُ الْحَادِثَات، فَهُوَ الْأصْلُ الْجَامِعُ، فَالْعِلْمُ بِهِ أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ وَجَامِعُهُ، وَذِكْرُهُ أَصْلُ كُلِّ كَلَامٍ وَجَامِعُهُ، وَالْعَمَلُ لَهُ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ وَجَامِعُهُ.
وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ صَلَاحٌ إلَّا فِي مَعْرِفَةِ رَبِهِم وَعِبَادَتِهِ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُم ذَلِكَ: فَمَا سِوَاهُ إمَّا فَضْل نَافِعٌ، وَإِمَّا فُضُولٌ غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَإمَّا أَمْرٌ مُضِرٌّ. [٢/ ١٦]
٢٣٥ - فِي الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ، وَاجْعَلْنِي مِن عِبَادِك الصَّالِحِينَ؛ وَلهَذَا كَانَ عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِن أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ اللهَ يُسَمَّى دَليلًا.
وَمِن أسْمَائِهِ: الْهَادِي، وَقَد جَاءَ أيْضًا: الْبُرْهَانُ. [٢/ ١٧ - ١٨]
٢٣٦ - الْأَقْيِسَةُ الْعَقْلِيَّةُ -الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ-: هِيَ الْغَايَةُ فِي دَعْوَةِ الْخَلْقِ إلَى اللّهِ، كَمَا قَالَ تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الإسراء: ٨٩]، فِي أوَّلِ سُبْحَانَ وَآخِرِهَا، وَسُورَةِ الْكَهْفِ، وَالْمَثَلُ هُوَ الْقِيَاسُ؛ وَلهَذَا اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ عَلَى خُلَاصَةِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي كَلَامِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِن الْمُتَكَلِّمَةِ والمتفلسفة وَغَيْرِهِمْ، وَنَزَّهَ اللّهُ عَمَّا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِمْ مِن الطُّرُقِ الْفَاسِدَةِ.
وَيُوجَدُ فِيهِ مِن الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ بِحَالٍ. [٢/ ٤٦ - ٤٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute