لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِم مُلَابَسَتُهَا وَمُبَاشَرَتُهَا وَمُمَاسَّتُهَا، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، وَمَقَالَةٌ عَامَّةٌ، وَقَضِيَّةٌ فَاضِلَةٌ، عَظِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَاسِعَةُ الْبَرَكَةِ، يَفْزَعُ إلَيْهَا حَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ فِيمَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَعْمَالِ وَحَوَادِثِ النَّاسِ.
وَقَد دَلَّ عَلَيْهَا أدِلَّةٌ عَشَرَةٌ -مِمَّا حَضَرَنِي ذِكْرُهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ- وَهِيَ: كِتَابُ اللهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَاتِّبَاعُ سَبيلِ الْمُومِنِينَ الْمَنْظُومَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء: ٥٩]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ} [المائدة: ٥٥]، ثُمَّ مَسَالِكُ الْقِيَاسِ، وَالِاعْتِبَارِ، وَمَنَاهِجُ الرَّأيِ، وَالِاسْتِبْصَارِ.
الصَّنْفُ الْأوَّلُ: الْكِتَابُ .. قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَالْخِطَابُ لِجَمِيعِ النَّاسِ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١].
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ جَمِيعَ مَا فِي الْأرْضِ لِلنَّاسِ مُضَافًا إلَيْهِم بِاللَّامِ، وَاللَّامُ حَرْفُ الْإِضَافَةِ، وَهِيَ تُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ وَاسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَصْلُحُ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَعُمُّ مَوَارِدَ اسْتِعْمَالِهَا.
الصِّنْفُ الثَّانِي: السُّنَّةُ .. فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَن يَسْأَلُ عَن شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِن أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ) (١). دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأشْيَاءَ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِتَحْرِيم خَاصٍّ؛ لِقَوْلِهِ: "لَمْ يُحَرَّمْ" وَدَلَّ أَنَّ التَّحْرِيمَ قَد يَكُونُ لِأجْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهَا بِدُونِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً، وَهُوَ الْمَقْصُودُ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: اتِّبَاعُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَهَادَةُ شُهَدَاءِ اللهِ فِي أَرْضِهِ، الَّذِينَ هُم عُدُولُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، الْمَعْصُومِينَ مِن
(١) البخاري (٧٢٨٩)، ومسلم (٢٣٥٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute