للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تُقَدِّمُ التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ، أَمْ الْعَادَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ؟ فَمِنْهُم مَن يُقَدِّمُ التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

وَالثَّانِي: فِي أَنَّهَا تُقَدِّمُ الْعَادَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وهو مذهب أبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَأمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي: فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَكِنْ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ مُطْلَقًا، فَكَانَت هِيَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ.

وَالْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ إذَا قَعَدَتْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً هِيَ ايَّامُ الْحَيْضِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ كَمَا تَغْتَسِلُ مَنِ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ صَلَّتْ وَصَامَتْ فِي هَذِهِ الِاسْتِحَاضَةِ؛ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَأَمَّا مَالِكٌ فَعِنْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهَا وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ؛ فَإِنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَهُ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ النَّادِرَاتِ (١).


(١) ومثله الإفرازات التي تخرج من غالب النساء، فلا تنقض الطهارة عنده، وهل هي طاهرة أم نجسة؟ الراجح عند العلماء أنها طاهرة، ولكنها تنقض الطهارة إلا عند الإمام مالك، ومذهبه فيه تيسير عظيم على النساء.
قالَ ابن عبد البر رَحَمِهُ اللهُ: والوضوء عليها عند مالك على الاستحباب دونَ الوجوب، قالَ: وقد احتج بعض أصحابنا على سقوط الوضوء بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي"، ولم يذكر وضوءًا.
قالَ: وممن قالَ بأن الوضوء على المستحاضة غير واجب: ربيعة، وعكرمة، ومالك، وأيوب، وطائفة.
قالَ: وأما الأحاديث المرفوعة في الغسل لكل صلاة، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة ..
وقال: إِذَا أحْدَثَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ حَدَثًا مَعْرُوفًا مُعْتَادًا لَزِمَهَا لَهُ الْوُضُوءُ، وَأمَّا دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا فَلَا يُوجِبُ وُضُوءًا؛ لِأَنَّهُ كَدَمِ الْجُرْحِ السَّائِلِ، وَكَيفَ يَجِبُ مِن أجْلِهِ وُضُوءٌ وَهُوَ لَا يَنْقَطِعُ؟ وَمَن كَانَت هَذِهِ حَالُهُ مِن سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذيِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَا يَرْفَعُ بِوُضُوئِهِ حَدَثًا؛ لِأنَّهُ لَا يُتِمُّهُ إِلَّا وَقَد حَصَلَ ذَلِكَ الْحَدَثُ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِلَى هَذَا الْمَذهَبِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأصْحَابُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ حديث هشام بن عُرْوَةَ هَذَا فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أبِي حُبَيْش، إلَّا أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يُفْتِي =

<<  <  ج: ص:  >  >>