يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُم مُجْنِبُونَ إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ"؛ وَذَلِكَ -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي "السُّنَنِ" عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
وَقَد أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْجُنُبَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُعَاوَدَةِ، وَهَذَا دَلِيل أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ ذَهَبَتِ الْجَنَابَةُ عَن أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا تَبْقَى جَنَابَتُهُ تَامَّةً، وَإِن كَانَ قَد بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدَثِ، كَمَا أَنَّ الْمُحْدِثَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرِ عَلَيْهِ حَدَثٌ دُونَ الْجَنَابَةِ، وَإِن كَانَ حَدَثُهُ فَوْقَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَهُوَ دُونُ الْجُنُبِ، فَلَا تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ عَن شُهُودِهِ، فَلِهَذَا يَنَامُ وَيلْبَثُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ تَتَبَعَّضُ فَتَزُولُ عَن بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا الْحَائِضُ فَحَدَثُهَا دَائِمٌ لَا يُمْكِنُهَا طَهَارَةٌ تَمْنَعُهَا عَنِ الدَّوَامِ فَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي مُكْثِهَا وَنَوْمِهَا وَأَكْلِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا تُمْنَعُ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ مَعَ حَاجَتِهَا إلَيْهِ.
وَلِهَذَا كَانَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِن قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ .. ؛ فَإِنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُهَا الطَّهَارَةُ كَمَا يُمْكِنُ الْجُنُبَ وَإِن كَانَ حَدَثُهَا أَغْلَظَ مِن حَدَثِ الْجُنُبِ مِن جِهَةِ أَنَّهَا لَا تَصُومُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ وَالْجُنُبُ يَصُومُ، وَمِن جِهَةِ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّلَاةِ طَهُرَتْ أَو لَمْ تَطْهُرْ، ويُمْنَعُ الرَّجُلُ مِن وَطْئِهَا أَيْضًا، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْحَظْرِ فِي حَقِّهَا أَقْوَى، لَكِنْ إذَا احْتَاجَتْ إلَى الْفِعْلِ اسْتَبَاحَتِ الْمَحْظُورَ مَعَ قِيَامِ سَبَبِ الْحَظْرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ كَمَا يُبَاحُ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَ الضَّرُورَةِ.
وَإِذَا قُدِّرَ جُنُبٌ اسْتَمَرَّتْ بِهِ الْجَنَابَةُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى غُسْلٍ أَو تَيَمُّمٍ فَهَذَا كَالْحَائِضِ فِي الرُّخْصَةِ وَإِن كَانَ هَذَا نَادِرًا.
فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَوْعِهَا، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى غِلَظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute