للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، ويُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ (١).

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَو كَانَ مَطْلُوبُهُم مِنْهُ السُّجودَ عَلَى الْحَائِلِ لَأَذِنَ لَهُم فِي اتِّخَاذِ مَا يَسْجُدُونَ عَلَيْهِ مُنْفَصِلًا عَنْهُمْ، فَقَد ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ (٢) فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: "كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ". أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ "الصَّحِيحِ"؛ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (٣).

فَهَذَا صَلَاتُهُ عَلَى الْخُمْرَةِ، وَهِيَ نَسْجٌ يُنْسَجُ مِن خُوصٍ كَانَ يُسْجَدُ عَلَيْهِ.

وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يُفْرَشُ -بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ- عُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَمْنَعْهُم أنْ يَتَّخِذُوا شَيْئًا يَسْجُدُونَ عَلَيْهِ يَتَّقُونَ بِهِ الْحَرَّ، وَلَكِنْ طَلَبُوا مِنْهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ زِيادَةً عَلَى مَا كَانَ يُؤَخِّرُهَا فَلَمْ يُجِبْهُمْ، وَكَانَ مِنْهُم مَن يَتَّقِي الْحَرَّ إمَّا بِشَيءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَإِمَّا بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِن طَرَفِ ثَوْبِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَفِي حَدِيثِ الْخُمْرَةِ حُجَّةٌ لِمَن يَتَّخِذُ السَّجَّادَةَ كَمَا قَد احْتَجَّ بِذَلِكَ بَعْضهُم.


(١) وهذا رأي العلَّامة محمد بن عثيمين - رحمه الله -.
وبعض أهل العِلْم كَرِه السجود على كور العمامة إذا كان كبيرًا.
قال القرطبي: يُكْرَه السجود على كَور العمامة، وإن كان طاقة أو طاقتين مثل الثياب التي تَسْتر الرُّكَب والقَدَمين فلا بأس، والأفضل مُباشرة الأرض أوْ مَا يَسْجد عليه. اهـ.
ومثله في عصرنا هذا: الغترة والطاقية، فلا تكره على اختيار القرطبي.
والذي يظهر أنه لا يُكرَه السجود على شيء متّصل بالمصلي ولا منفصل عنه، إلا إذا كان ذلك يُؤدي إلى كثرة الحركة، فتكره من هذا الباب.
(٢) قال في النهاية: هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار. اهـ.
قال الشيخ: وَأمَّا اتِّخَاذُهَا كَبِيرَةً يُصَلِّي عَلَيْهَا يَتَقِي بِهَا النَّجَاسَةَ وَنَحْوَهَا: فَلَمْ يَكُن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّخِذُ سَجَّادَةً يُصَلِّي عَلَيْهَا وَلَا الصَّحَابَةُ، بَل كَانُوا يُصَلُّونَ حُفَاةً وَمُنْتَعِلِينَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى التُّرَابِ وَالْحَصِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن غَيرِ حَائِلٍ. اهـ. (٢٢/ ١٩٢)
(٣) رواه البخاري (٣٧٩)، ومسلم (٥١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>