للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَصْدُرُ هَذَا إلَّا مَعَ نِفَاقٍ فِي الْقَلْبِ، وَزَنْدَقَةٍ، لَا مَعَ إيمَانٍ صَحِيحٍ؛ وَلهَذَا إنَّمَا يَصِفُ سبْحَانَهُ بِالِامْتِنَاعِ مِن السُّجُودِ الْكفَّارَ؛ كَقَوْلِهِ: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)} [القلم: ٤٣].

وَثَبَتَ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ النَّارَ تَأْكلُ مِن ابْنِ آدمَ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ، فَإنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَهُ، فَعُلِمَ أنَّ مَن لَمْ يَكُن يَسْجُدُ للهِ تَأكُلُهُ النَّارُ كُلّهُ.

وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِفُ أمَّتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الْوُضُوءِ" (١)، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَن لَمْ يَكن غُرًّا مُحَجَّلًا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَا يَكُونُ مِن أمَّتِهِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُكَفِّرُوا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا: فَلَيْسَتْ لَهُم حُجَّة إلَّا وَهِيَ مُتَنَاوِلَة لِلْجَاحِدِ كَتَنَاوُلهَا لِلتَّارِكِ، فَمَا كَانَ جَوَابُهُم عَن الْجَاحِدِ كَانَ جَوَابًا لَهُم عَن التَّارِكِ، مَعَ أَن النُّصُوصَ عَلَّقَت الْكُفْرَ بِالتَّوَلِّي.

وَأَجْوَدُ مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَمَن حَافَظَ عَلَيْهِنُّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَن لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكن لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ إنْ شَاء عَذَّبَهُ وَإِن شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ" (٢).

قَالُوا: فَقَد جَعَلَ غَيْرَ الْفحَافِظِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَالْكَافِرُ لَا يَكونُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ.

وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا؛ فَإنَّ الْوَعْدَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَالْمُحَافَظَةُ: فِعْلُهَا فِي أَوْقَاتِهَا؛ كَمَا أَمَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨]، وَعَدَمُ الْمُحَافَظَةِ يَكُونُ مَعَ فِعْلِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، كَمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) رواه البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>