للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إذَا وَقَفَ النَّاسُ يَوْمَ الْعَاشِرِ خَطَأ أَجْزَأَهُمْ؛ فَالصَّوَابُ: أَنَ ذَلِكَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَلَا خَطَأَ فِي ذَلِكَ؛ بَل يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَرِّفُ فِيهِ النَّاسُ، وَالْهِلَالُ إنَّمَا يَكُونُ هِلَالًا إذَا اسْتَهَلَّهُ النَّاسُ، وإِذَا طَلَعَ وَلَمْ يَسْتَهِلُّوهُ فَلَيْسَ بِهِلَالٍ.

وَمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّحَابَةَ لَمْ يَأمُرُوا احَدًا بِمُرَاعَاةِ الْقُطْبِ (١) وَلَا مَا قَرُبَ مِنْهُ وَلَا الْجَدْيُ وَلَا بَنَاتُ نَعْشٍ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلهَذَا أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى مَن أَمَرَ بِمُرَاعَاةِ ذَلِكَ، وَأَمَرَ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ الْقِبْلَةُ بِالْجَدْيِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْجَدْيِ، وَلَكِنْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ.

وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُ لَو كَانَ تَحْدِيدُ الْقِبْلَةِ بِذَلِكَ وَاجِبًا أَو مُسْتَحَبًّا لَكَانَ الصَّحَابَةُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَسْبَقُ، وَلَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيَّنَ ذَلِكَ؛ فَإنَّهُ لَمْ يَاَع مِنَ الدِّينِ شَيْئًا إلَّا بَيّنهُ، فَكَيْفَ وَقَد صَرَّحَ بِأَنَّ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ (٢).

وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَعْلِيقَ الدّينِ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَنَازُعِ الْأُمَّةِ وَاخْتِلَافِهَا فِي دِينِهَا، وَاللّهُ قَد نَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ.


(١) أي: في تحديد اتجاه القبلة.
(٢) ولذلك لا نحتاج في هذا الزمان إلى استعمال الأجهزة التي تحدد اتجاه القبلة، فإذا عرفنا جهة القبلة فهذا يكفي، ولا نحتاج إلى التحديد الدقيق.
قال ابن رجب -رحمه الله-: وبذلك يعلم أن من أوجب تعلم هذه الأدلة، وقال: أنه فرض عين أو كفاية -ممن ينتسب إلى الإمام أحمد- فلا أصل لقوله، وإنما تلقاه من قواعد قوم آخرين تقليدًا لهم.
ويدل على ذلك من الأدلة الشرعية: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنًّا أمة أميَّة، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة".
فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب. اهـ. فقح الباري (٣/ ٦٧).
وبهذا يظهر خطأ تشدد بعض الناس في تحريهم لاتجاه القبلة، حتى إن بعضهم إذا صلى الإمام صرخوا عليه: اتجه يمنةً أو يسرة!! وكلّ هذا لا حاجة إليه، بل هو إلى التشدد والتنطع أقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>